زيت الزيتون.. في تطور علمي لافت قد يُحدث نقلة نوعية في مجال الطب والغذاء، كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة روتجرز وكلية هانتر في الولايات المتحدة، أن مركبًا طبيعيًا يُدعى “الأوليوكانثال”، والموجود في زيت الزيتون البكر الممتاز، قادر على قتل الخلايا السرطانية خلال 30 إلى 60 دقيقة فقط، دون أن يُلحق أي ضرر بالخلايا السليمة المحيطة.
ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة علم الأورام الجزيئي والخلوي عام 2015، وقد أثارت اهتمامًا كبيرًا في الأوساط العلمية والطبية نظرًا لخصوصية تأثير المركب ودقته.

زيت الزيتون.. أكثر من غذاء
لطالما عُرف زيت الزيتون بأنه حجر أساس في النظام الغذائي المتوسطي، ويُشيد به العلماء لفوائده الصحية للقلب والدماغ، إلا أن ما كشفته الدراسة الأخيرة يُضيف بعدًا جديدًا لمكانة هذا الزيت، حيث أظهر الأوليوكانثال خصائص فريدة في تدمير الخلايا السرطانية بشكل انتقائي وسريع.
كيف يعمل المركب؟ استهداف مباشر لليزوزومات في الخلايا المصابة
أوضح الفريق البحثي أن الأوليوكانثال يستهدف الليزوزومات، وهي عضيات خلوية مسؤولة عن معالجة الفضلات داخل الخلية، في الخلايا السرطانية، تكون هذه الليزوزومات أكثر هشاشة وأكبر حجمًا، مما يجعلها عرضة للتفكك والانفجار عند تعرضها للمركب، مؤدية إلى موت الخلية بالكامل.
وصرّح الدكتور بول بريسلين، أستاذ علوم التغذية المشارك في الدراسة، بأن: “المركب يُعطل مراكز التحكم داخل الخلية المصابة، ويؤدي إلى انهيارها التام خلال وقت قياسي، دون المساس بالخلايا السليمة، ما يجعله خيارًا واعدًا لعلاج السرطان بأقل ضرر ممكن.”
الخلايا السليمة تتوقف مؤقتًا ثم تتعافى
ما يزيد من أهمية هذا الاكتشاف، أن الخلايا السليمة لم تُظهر أي علامات تضرر، بل دخلت في حالة توقف مؤقت عن النشاط الخلوي، وعادت إلى طبيعتها خلال 24 ساعة، ما يؤكد الطبيعة الانتقائية لهذا المركب في استهداف الخلايا السرطانية دون غيرها.
اختلاف التركيز بين أنواع الزيوت
أظهرت الدراسة أيضًا أن تركيز الأوليوكانثال يختلف بين أنواع زيت الزيتون، بحسب مصدر الزيت، توقيت الحصاد، وطريقة العصر، وقد وجد الباحثون أن الزيوت عالية الجودة والتي يتم استخلاصها بطرق باردة تحتفظ بنسبة أكبر من هذا المركب، وبالتالي تكون أكثر فعالية في التجارب المخبرية.
تفسير محتمل لـ”لغز المتوسط”
يرى بعض العلماء أن هذا الاكتشاف قد يُفسّر ما يُعرف بـ”لغز المتوسط”، وهي ظاهرة تدني نسب الإصابة بالسرطان في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، رغم أن نظمهم الغذائية لا تتبع بالضرورة المعايير الغربية الصارمة.
فوجود زيت الزيتون البكر الممتاز في النظام الغذائي اليومي لتلك الشعوب قد يكون هو المفتاح، حيث يُزوّد الجسم بجرعات مستمرة من الأوليوكانثال، مما يوفر وقاية طبيعية وطويلة الأمد من بعض أنواع السرطان.
اقرأ أيضًا
الجلوكوز في الدماغ.. مفتاح جديد لفهم ألزهايمر والتصدي له
هل يتحول إلى علاج فعلي؟ الطريق ما زال طويلًا
رغم النتائج المشجعة، فإن العلماء يُشددون على أن الدراسة لا تزال في المرحلة المخبرية (in vitro)، ولم تُختبر بعد على أجسام حية (in vivo)، حاليًا، يعمل الباحثون على استكشاف إمكانية تطوير أدوية تعتمد على الأوليوكانثال، مع دراسة آلية استهدافه للخلايا السرطانية بمزيد من التفصيل، إضافة إلى تحديد الجرعات الآمنة وطرق التوصيل داخل الجسم.
الطبيعة تبقى أذكى مختبر
في ظل السباق العالمي لإيجاد علاجات آمنة وفعالة للسرطان، يُبرز هذا الاكتشاف أهمية العودة إلى المصادر الطبيعية، ويُذكّرنا بأن الطبيعة قد تخبئ في طيّاتها حلولًا مدهشة لأكثر الأمراض تعقيدًا.
وفي انتظار المزيد من الدراسات السريرية، يبقى استخدام زيت الزيتون البكر الممتاز في النظام الغذائي اليومي خيارًا صحيًا، وربما منقذًا للحياة.