كشف باحثون من جامعة كولومبيا الأمريكية عن توقعات مثيرة للقلق بخصوص مستقبل سرطان الرحم، أحد أكثر السرطانات النسائية شيوعًا، مشيرين إلى ارتفاع حاد متوقع في معدلات الإصابة والوفيات خلال العقود المقبلة، في ظل عوامل مرتبطة بالسمنة والأنماط الغذائية الحديثة.
قفزة في الإصابات والوفيات بـ سرطان الرحم
وبحسب الدراسة، فإن معدلات الإصابة بسرطان الرحم مرشحة للارتفاع بنسبة تصل إلى 53% بحلول عام 2050، بينما يُتوقع أن تتضاعف الوفيات بين النساء في الفئة العمرية من 18 إلى 84 عامًا بنسبة تتراوح بين 83% و98% خلال نفس الفترة.

وفي حين تشير الإحصاءات إلى أن سرطان القولون بين من هم دون الخمسين يرتفع سنويًا بنسبة 2.4%، فإن إجمالي معدلات الإصابة بجميع الأعمار يسجل انخفاضًا طفيفًا، بعكس الاتجاه التصاعدي اللافت لسرطان الرحم.
فجوة عرقية مثيرة للقلق
كشفت الدراسة أيضًا عن فجوة عرقية حادة في معدلات الإصابة والوفاة، حيث من المتوقع أن ترتفع الإصابات بنسبة 28.6% بين النساء البيض، مقابل 53% بين النساء ذوات البشرة السمراء.
أما على صعيد الوفيات، فمن المرجح أن تزداد بنسبة 97.9% لدى النساء السود، مقارنة بـ83.6% لدى النساء البيض. ويُرجح الباحثون أن تكون هذه الفجوة ناتجة عن أنواع أكثر شراسة من السرطان تصيب النساء السود، إلى جانب تأخر التشخيص وصعوبة الوصول إلى العلاج المبكر.
السمنة والأطعمة المصنعة في دائرة الاتهام
يرتبط سرطان الرحم بشكل مباشر بـالسمنة، إذ تشير بيانات “أبحاث السرطان في المملكة المتحدة” إلى أن ثلث الحالات على الأقل ناتجة عن الوزن الزائد، وتؤدي السمنة إلى ارتفاع في مستويات هرمونات مثل الإنسولين والتستوستيرون، وهي عوامل تساهم في نمو الأورام.
ويعزو الخبراء هذا الاتجاه إلى انتشار الأطعمة فائقة التصنيع منذ تسعينيات القرن الماضي، وهي تشمل الوجبات الجاهزة، والحلويات، والمقرمشات، التي تحتوي على نسب عالية من الدهون والسكر والملح.
وقال الدكتور كريس فان توليكن من جامعة لندن: “لدينا أكثر من 12 دراسة قوية تربط بين استهلاك الأطعمة فائقة التصنيع وزيادة خطر الإصابة بالسرطان”، مشيرًا إلى أن هذه المنتجات تحتوي على مكونات لا تُستخدم عادة في الطبخ المنزلي.
اقرأ أيضًا:
تحسين المناعة قد يطيل عمر الإنسان ويجنّبه الأمراض المزمنة
الكشف المبكر… أمل لتقليل العبء
اعتمدت الدراسة الأمريكية على نماذج محاكاة امتدت على مدار قرن من الزمن، ووجدت أن إدخال اختبار وقائي عند سن 55 قد يؤدي إلى انخفاض كبير في معدلات الإصابة، وقد يؤخر ظهور المرض لمدة تصل إلى 16 عامًا.
وأبرزت النتائج أن نحو 34% من حالات سرطان الرحم قابلة للوقاية، ما يفتح المجال أمام استراتيجيات فعالة تعتمد على نشر التوعية، التغذية السليمة، والفحص المبكر لتقليل العبء الصحي المتصاعد.
قلق عالمي من سرطانات الشباب
وفي سياق متصل، تتزايد المخاوف من ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الأمعاء لدى من هم دون سن الخمسين، في أكثر من نصف الدول التي شملتها الدراسات الحديثة. ويرجح بعض العلماء أن الملوثات الحديثة مثل الميكروبلاستيك والتلوث الهوائي قد تكون من العوامل المحفزة لهذه الأنواع من السرطان.
ويحذر الخبراء من أن سرطانات الأمعاء غالبًا لا تُظهر أعراضًا في مراحلها المبكرة، مما يعقّد جهود الاكتشاف والعلاج في الوقت المناسب.
دعوات لتغيير نمط الحياة والغذاء
في ضوء هذه النتائج، يوصي الباحثون بضرورة إعادة النظر في الأنماط الغذائية المعاصرة، والتشديد على مراقبة المؤشرات الصحية منذ سن مبكرة، خاصة في ظل تنامي معدلات الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان بين الفئات العمرية الشابة.
تمثل نتائج هذه الدراسة إنذارًا مبكرًا لصناع السياسات الصحية ومؤسسات التوعية المجتمعية، بضرورة التدخل السريع للحد من عوامل الخطر المرتبطة بسرطان الرحم وسرطانات الشباب، من خلال التوعية، والفحوص الوقائية، ومكافحة أنماط التغذية المضرة.