غابت صباح اليوم الفنانة المصرية سميحة أيوب عن عمر ناهز الـ93 عامًا، تاركة خلفها إرثًا فنيًا عريضًا تجاوز السبعين عامًا من الإبداع المتواصل على خشبة المسرح، وشاشة السينما، والتلفزيون.
وأعلنت نقابة المهن التمثيلية في بيان رسمي نبأ وفاة “سيدة المسرح العربي”، مشيرة إلى أنها رحلت في منزلها بالقاهرة أثناء انتظارها لابنها. وبوفاتها، يُطوى فصل طويل من فصول الفن المصري والعربي، فصل كانت هي أحد أعمدته وأبرز رموزه.

سميحة أيوب من شبرا إلى خشبة المسرح
ولدت سميحة أيوب في مارس عام 1932 في حي شبرا الشعبي بالقاهرة، وسط بيئة مصرية أصيلة، لتظهر موهبتها التمثيلية في سن مبكرة. في عام 1949، انضمت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك تتلمذت على يد المسرحي الكبير زكي طليمات، الذي رأى فيها طاقة واعدة، فقدمها لأول مرة في مسرحية “خدمة الملكة”، معلنًا انطلاقتها الحقيقية.
170 مسرحية.. ورسالة فن لا تنتهي
امتلكت أيوب حضورًا طاغيًا على المسرح، وشاركت في أكثر من 170 عملًا مسرحيًا، جعلت منها رمزًا للتجديد في الأداء المسرحي، ونجمة لامعة في عروض خالدة مثل:
“رابعة العدوية”، “الوزير العاشق”، “السلطان الحائر”، “سكة السلامة”، “دماء على أستار الكعبة”، “فيدرا”، و”السبنسة”.
لم تكن ممثلة وحسب، بل مديرة وصانعة قرار، حيث تولّت إدارة المسرح الحديث بين عامي 1972 و1975، ثم المسرح القومي في فترتين متتاليتين (1975-1989)، وأسهمت في تطوير البنية التحتية للمسرح ودعم أجيال جديدة من الفنانين.
من الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة
رغم ولعها بالمسرح، لم تغب سميحة أيوب عن الشاشتين؛ السينمائية والتلفزيونية. بدأت مسيرتها السينمائية بفيلم “المتشردة” عام 1947، لتتوالى مشاركاتها في أفلام بارزة مثل:
“أرض النفاق”، “بين الأطلال”، “شاطئ الغرام”، “لا تطفئ الشمس”، “فجر الإسلام”، وآخرها “تيتا رهيبة” الذي قدّمها إلى جيل الشباب بروح كوميدية خفيفة الظل.
أما في الدراما التلفزيونية، فقدمت أداءً رصينًا عميقًا في أعمال مثل:
“الضوء الشارد”، “أوان الورد”، “أميرة في عابدين”، و”المصراوية”، حيث عُرفت بقدرتها على تقمص الشخصيات المركبة، وصوتها القوي، وحضورها الأخاذ.
جوائز وتكريمات محلية ودولية
لم يكن عطاؤها ليمر دون تقدير رسمي؛ فقد كرمها الرئيس جمال عبد الناصر بوسام الجمهورية في عيد العلم عام 1966، ثم منحها الرئيس أنور السادات تكريمًا خاصًا، كما نالت وسامًا من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان بدرجة فارس، بعد عرضها مسرحية “فيدرا” على أوبرا باريس.
حكايات القلب والمهنة
في حياتها الشخصية، تزوجت سميحة أيوب أربع مرات. أولها من النجم محسن سرحان، وأنجبت منه ابنها إبراهيم، ثم من الفنان محمود مرسي، وأنجبت ابنها علاء.
لكن المحطة الأهم في حياتها كانت زواجها من الكاتب والمفكر سعد الدين وهبة، الذي وصفته بـ”حب العمر”، وكان شريكها في الفكر والفن لأكثر من 20 عامًا.
أما زيجتها الأخيرة فكانت من المخرج أحمد النحاس، لكنها انتهت بمشكلات حادة وصلت إلى المحاكم، ووصفتها الفنانة الراحلة بـ”خيبة العمر”.
وداعًا سيدة المسرح
بوفاة سميحة أيوب، تفقد مصر والعالم العربي واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في المشهد الثقافي والفني منذ منتصف القرن العشرين.
امرأة نذرت حياتها للفن، لم تكتف بالأدوار، بل شغلت المناصب، وقادت المؤسسات، وصاغت حضورًا إبداعيًا قلّ نظيره.
رحلت سيدة المسرح، لكن ستظل سيرتها على الخشبة، وصورتها في الذاكرة، وصوتها القوي في ذاكرة المسرح العربي.
اقرأ أيضًا:
وفاة فدوى محسن.. رحيل “أم إبراهيم” التي اختزلت دفء الأمهات في ذاكرة الدراما السورية