بدأ مراسل شبكة BBC، عن رحلته للبحث عن الطفلة سوار عاشور، البالغة من العمر خمسة أشهر، والتي ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصورها على مدار الأيام الماضية، إذ أنها تجسيد لوحشية سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي.
كان وزن سوار لا يتجاوز بقليل الكيلوغرامين (أي نحو 4 أرطال و6 أونصات)، بينما الوزن الطبيعي لطفلة في مثل عمرها يتجاوز 6 كيلوغرامات.
«سوار عاشور» مأساة طفلة فلسطينية
سوار خرجت من المستشفى وعادت إلى منزلها، وفي رحلة البحث عن الطفلة الفلسطينية بين أنقاض المنازل والملاجئ المؤقتة المصنوعة من القماش والحديد المموج.
وفي أثناء البحث، عثر مراسل الشبكة البريطانية على كوخ متهالك يضم غرفة نوم واحدة، يتدلى على مدخله ستار رمادي وأسود مزخرف بالزهور. وفي الداخل، ثلاث مراتب وأجزاء من خزانة ومرآة تعكس ضوء الشمس على الأرض أمام سوار ووالدتها نجوى وجدتها ريم.
كانت سوار هادئة، ويبدو أن وجود الأم والجدة يمنحها شيئًا من الطمأنينة. الطفلة لا يمكنها تناول الحليب الصناعي العادي، بسبب تحسسها الشديد منه، وفي ظل الحرب والحصار الإسرائيلي الذي يعيق وصول المساعدات، أصبح من شبه المستحيل توفير نوع الحليب الذي تحتاجه.
اقرأ أيضًا
دونالد ترامب: مفاوضات سلام محتملة بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان
تصريحات الأم عن ابنتها “سوار عاشور”
تقول نجوى، الأم ذات الـ 23 عامًا، إن حالة سوار بدأت بالتحسن نسبيًا عندما كانت في مستشفى ناصر، لدرجة أن الأطباء سمحوا بخروجها مع علبة حليب خاصة قبل عدة أيام.
لكن اليوم، وفي هذا المأوى، تؤكد نجوى أن وزن ابنتها بدأ في التراجع مرة أخرى. وتضيف: “قال لي الأطباء إن سوار تحسنت، لكنها لا تزال نحيلة جدًا. لم يعثروا إلا على علبة حليب واحدة، وهي على وشك النفاد”.
تحوم الذبابات حول وجه سوار الصغير. وتقول نجوى بصوت يملؤه القلق: “الوضع حرج للغاية، الحشرات تهاجمها باستمرار. أضطر إلى تغطيتها بوشاح حتى لا تلمسها”.
سوار وُلدت في نوفمبر الماضي، ولم تعرف سوى أصوات الحرب منذ اللحظة الأولى: دوي المدافع، انفجارات القنابل، الصواريخ، وهدير الطائرات، سواء كانت قريبة أم بعيدة. وتقول نجوى: “هي تدرك هذه الأصوات. عندما تسمع دوي الدبابات أو تحليق الطائرات الحربية، تصاب بالذعر وتبكي. وإن كانت نائمة، تستفيق مرتاعة وتجهش بالبكاء”.
الأطباء في غزة يؤكدون أن عددًا كبيرًا من الأمهات الشابات غير قادرات على إرضاع أطفالهن طبيعيًا بسبب نقص التغذية الحاد. والأزمة الأكثر إلحاحًا تتمثل في شح الغذاء والمياه النظيفة.
وتروي نجوى أنها عانت من سوء التغذية حين أنجبت سوار، وهي ووالدتها ريم لا تزالان تكافحان يوميًا في سبيل الحصول على ما يسد الرمق. تقول: “نحن لا نملك ما يكفي من الحليب أو الحفاضات. الأسعار مرتفعة بشكل جنوني، والمعابر مغلقة. الأمر يفوق قدرتنا”.
ادعاءات الجيش الإسرائيلي
في 22 مايو، أعلنت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، التابعة للجيش الإسرائيلي، أنه لا يوجد نقص في الغذاء في غزة، مشيرة إلى إدخال “كميات كبيرة من حليب الأطفال والدقيق للمخابز” خلال الأيام الأخيرة.
لكن هذا التصريح قوبل بالرفض من قِبل وكالات الإغاثة، والأمم المتحدة، وعدة حكومات حول العالم، بما في ذلك بريطانيا. حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تحدّث عن “مجاعة” تهدد حياة سكان غزة.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وصف كميات المساعدات الإنسانية التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة بأنها “ضئيلة للغاية”. وأضاف أن الفلسطينيين “يعيشون حاليًا واحدة من أقسى مراحل هذا الصراع الوحشي”، في ظل نقص حاد في الوقود والمأوى وغاز الطهي ومستلزمات تنقية المياه.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن 80% من مساحة غزة أصبحت إما منطقة عمليات عسكرية إسرائيلية أو منطقة جرى إصدار أوامر بإخلائها من السكان.
الإنكار، التصريحات القلقة، الإدانات الدولية، والمواقف التي بدت في لحظات كأنها بداية لتغير جذري… كلها مضت دون أن تحدث فرقًا. وحدها معاناة السكان، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، هي الثابتة. معاناة تتجسد في وجوه مثل وجه نجوى، وصرخات مثل بكاء سوار.
تقول نجوى: “لا أفكر في الماضي، ولا أفكر في المستقبل.. لم يتبق إلا هذه اللحظة، وكيفية النجاة منها”.