تشهد المكتبات العامة والجامعية حول العالم تحولاً نوعياً في طريقة تقديم خدماتها، إذ بدأت توظف ما يُعرف بـ«أمناء مكتبات الذكاء الاصطناعي»، لمساعدة المستخدمين على الاستفادة من أحدث أدوات البحث الرقمي.
ويشبه دور هؤلاء الأمناء الطريقة التي كان يُعتمد فيها سابقاً على خبراء المكتبات التقليديين، لكنهم اليوم يعملون جنباً إلى جنب مع التقنيات الحديثة لتدقيق وتحليل المعلومات بطريقة أكثر وعيًا وحذرًا.
ويؤكد تريفور واتكنز، أمين مكتبة في جامعة جورج ميسون، أن أخطر ما يواجه الباحثين اليوم هو «الإشباع الفوري بالمعلومات»، أي قبول نتائج البحث دون تدقيق كافٍ.

وقد استعان الصحفي جيفري فاولر بثلاثة من أمناء المكتبات المحترفين لاختبار أبرز أدوات البحث بالذكاء الاصطناعي، من «شات جي بي تي 5» إلى «جوجل AI»، وذلك بطرح مجموعة من الأسئلة المعقدة لقياس دقة النتائج وسرعتها.
نتائج الاختبارات… “نمط الذكاء الاصطناعي” يتفوّق على الجميع
توصل فريق الاختبار إلى أن أفضل أداة بحث بالذكاء الاصطناعي ليست تلك التي يعتمد عليها أغلب الناس، بل «نمط الذكاء الاصطناعي» من جوجل (Google’s AI Mode)، والذي يُعد نسخة هجينة بين محرك البحث الشهير وروبوت دردشة تفاعلي.
أظهر هذا النمط تفوقاً واضحاً على جميع الأدوات الأخرى، بما في ذلك «شات جي بي تي 5» و«ملخصات جوجل بالذكاء الاصطناعي»، التي تظهر تلقائياً في أعلى نتائج البحث.
ويرجع هذا التفوق إلى أن النمط الجديد يستخدم تقنية استدلال ذكية لتقسيم المواضيع إلى محاور فرعية، ثم يجري عشرات عمليات البحث في الوقت ذاته، مع إمكانية الوصول إلى تحديثات تقنية أحدث، ما يمنحه دقة وسرعة أكبر.
ورغم أن بعض الأسئلة لا تزال تشكل تحدياً له، إلا أنه يُعتبر الأفضل في المهام البحثية التي تتطلب العثور على معلومات دقيقة ضمن بحر من البيانات.
نصائح لاستخدام أكثر فاعلية للذكاء الاصطناعي في البحث
ينصح الخبراء بضرورة صياغة الأسئلة بدقة شديدة، لأن أدوات الذكاء الاصطناعي ليست ذكية بما يكفي لطرح أسئلة متابعة كما يفعل الإنسان.
ويشير أمين المكتبة كريس ماركمان إلى أن أغلب ما يبحث عنه المستخدمون لا يتضح إلا بعد طبقتين أو ثلاث من إعادة الصياغة، لذا يُفضل تضمين أمثلة وسياق واضح في السؤال.
أما أمينة المكتبة شارزلي رودريغيز فتؤكد أهمية توجيه الأداة الذكية لتقديم نقد ذاتي أو عرض وجهات نظر متعددة، عبر عبارات مثل «ناقش الرأي المعاكس» أو «اذكر نقاط الضعف».
كما توصي بعدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كمصدر نهائي، بل استخدامه كبوابة أولى للتحليل، مع مراجعة النتائج بشكل نقدي.
ثغرات وأخطاء شائعة في أدوات الذكاء الاصطناعي
أظهرت التجارب أن هذه الأدوات لا تزال تعاني من نقاط ضعف بارزة، أبرزها التعامل مع الأحداث الحديثة نظرًا لكون قاعدة بياناتها ثابتة زمنياً.
فعلى سبيل المثال، لا يمتلك «شات جي بي تي 5» أي معرفة بالأحداث التي وقعت بعد 30 سبتمبر 2024 ما لم يُطلب منه البحث عبر الإنترنت.
كذلك تواجه هذه الأدوات صعوبة في تحليل الصور والمحتوى المرئي، إلى جانب محدودية الوصول إلى المصادر الأكاديمية والمحتوى المدفوع.
وتؤكد رودريغيز أن معظم الأبحاث العلمية الجادة لا تزال غير متاحة مجاناً، وهو ما يجعل الاعتماد على أمين مكتبة بشري خياراً أكثر موثوقية.
كما شددت على ضرورة التحقق من المراجع التي تقدمها هذه الأدوات، فبعضها يربط بمصادر غير دقيقة أو منشورات ضعيفة الجودة، خاصة تلك المستقاة من منصات مثل «ريديت» أو «إكس»، حيث تُبنى الإجابات على آراء لا على حقائق.
التحقق، المقارنة، والعودة إلى الإنسان عند الشك
يُوصي الخبراء بطرح نفس السؤال على أكثر من أداة ذكاء اصطناعي ومقارنة الإجابات، إذ غالباً ما تختلف النتائج بشكل ملحوظ. ويقول ماركمان إن امتلاك معرفة أساسية بالموضوع يساعد المستخدم على تمييز الأخطاء أو التناقضات دون الوقوع في فخ المعلومات المضللة.
وفي النهاية، عندما يتعذر التأكد من المعلومة، يبقى الحل الأبسط هو اللجوء إلى «أمين المكتبة البشري».
فالكثير من المكتبات العامة والأكاديمية تقدم خدمة «المرجع الافتراضي»، حيث يمكن للمستخدم طرح أسئلته على مختصين حقيقيين عبر الإنترنت، في تفاعل يجمع بين دقة الإنسان وسرعة التقنية.
اقرأ ايضًا…رئيس “إنستجرام” ينفي التجسس على المحادثات: “خرافة قديمة”