هل تعلم بأن شجرة نيوتن الأسطورية لا تزال على قيد الحياة؟!..
فبعد أكثر من ثلاثة قرون على سقوط التفاحة الأشهر في تاريخ العلوم، لا تزال الشجرة التي ألهمت السير إسحاق نيوتن لصياغة نظريته في الجاذبية قائمة، تنبض بالحياة، وتستمر في إنجاب سلالات علمية حول العالم.
في بستان صغير داخل قصر وولثورب بمقاطعة لينكولنشاير الإنجليزية، تقف شجرة التفاح التي جلست تحتها واحدة من أعظم العقول العلمية في التاريخ، شاهدةً على لحظة ألهمت الثورة العلمية وغيرت فهم البشرية لحركة الكون.
شجرة نيوتن الأسطورية لا تزال على قيد الحياة
وُلد إسحاق نيوتن في 25 ديسمبر عام 1642 في قرية وولثورب باي كولستروورث، ونشأ في محيط ريفي متواضع، قبل أن تظهر بوادر نبوغه في سن مبكرة.
التحق بمدرسة الملك، التي وفرت له تعليماً متقدماً في الرياضيات والفلسفة، ثم واصل دراسته في كلية ترينيتي بجامعة كامبريدج، حيث كرّس نفسه للبحث في أعماق العلوم الطبيعية والفيزياء والرياضيات.
وبعد تخرجه، انطلق نيوتن ليساهم في رسم ملامح الثورة العلمية التي اجتاحت أوروبا في القرن السابع عشر، وأصبح أحد أعمدة عصر التنوير.
وبالتوازي مع إسهاماته في البصريات، والكيمياء، والميكانيكا، عمل على تطوير علم حساب التفاضل والتكامل بشكل مستقل، إلى جانب العالم الألماني غوتفريد لايبنتز، في واحدة من أكثر الخلافات شهرة في تاريخ الرياضيات.
لكن من بين أعظم إنجازاته، تظل نظريته في الجاذبية هي الأكثر شهرة وتأثيرًا.
نيوتن ونظرية الجاذبية التي غيرت مجرى العلم
ويُروى أن هذه النظرية ولدت من موقف بسيط ومُلهم: تفاحة سقطت من شجرة وهو جالس تحتها.
ورغم الجدل المستمر بين المؤرخين حول مدى دقة هذه القصة، فإن نيوتن نفسه رواها في مناسبات عديدة، لعل أبرزها لأقاربه، للفيلسوف فولتير، وللعالم ويليام ستوكلي، الذي كتب في مذكراته: “بعد العشاء، ذهبنا إلى الحديقة، وتحدثنا تحت أشجار التفاح. وهناك أخبرني نيوتن أنه كان يجلس في وضع مماثل عندما خطرت له فكرة الجاذبية لأول مرة”.
وقد وصف المؤرخون هذه القصة بأنها ربما مزيج من الحقيقة والرمزية، لكن الأثر الذي خلفته في الوعي العلمي لا يُنكر.
أما الشجرة التي تُنسب إليها هذه اللحظة التاريخية، فهي لا تزال موجودة حتى اليوم. وتُعرف بأنها من نوع “زهرة كِنت”، وهي تفاحة تُستخدم في الطهي.
ورغم أنها اقتُلعت بفعل عاصفة قوية عام 1816، فقد تمكنت جذورها من البقاء، وتمت إعادة نموها بنجاح.
ومنذ ذلك الحين، تتم صيانتها بعناية شديدة في قصر وولثورب، بإشراف البستانيين التابعين للصندوق الوطني البريطاني، الذي يتولى الحفاظ على المواقع ذات الأهمية التاريخية والطبيعية.
حماية شجرة نيوتن من الفناء
ولحماية هذه الشجرة من الأذى، وُضع حولها سياج دائم يمنع اقتراب الزوار منها بشكل مباشر، إذ لا يزال يُنظر إليها كأيقونة حية لتاريخ العلم.
ولعل أكثر ما يثير الإعجاب ليس فقط بقاء هذه الشجرة، بل قدرتها على الاستمرار في الإنجاب العلمي. فقد تم استنساخها مرات عديدة، وأُرسلت غصون منها إلى مؤسسات علمية وأكاديمية حول العالم.
ومن بين هذه المواقع، توجد نسخة مستنسخة وراثيًا منها في كلية ترينيتي بكامبريدج، حيث درس نيوتن نفسه، وكذلك في جامعة لوبورو، التي استقبلت خمس عُقل من الشجرة الأصلية، مكنتها من زراعة شجرتها الخاصة.
وتروي النسخ المستنسخة الأخرى حكاية سفر مثيرة. فعلى سبيل المثال، أُخذت شجرة من قصر وولثورب في عام 1820 على يد القس تشارلز تورنور، وانتقلت عبر محطات متعددة، بدءًا من حديقة بيلتون، إلى محطة أبحاث الفاكهة في كينت، ثم إلى حدائق كامبريدج النباتية، وصولًا إلى حدائق كيو، التي أهدت بدورها النسخة النهائية إلى جامعة يورك.
ولا تتوقف فروع هذه الشجرة عند حدود بريطانيا، بل امتدت لتصل إلى القارات الأخرى. حيث تنمو نسخ منها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية، وفي جامعة براون بولاية رود آيلاند، وكذلك في المعهد التقني في ويلداو، برلين – ألمانيا، فضلًا عن وجود نسخة منها في المختبر الوطني للفيزياء بلندن الكبرى.
وتحمل هذه الأشجار المستنسخة نفس التركيبة الجينية للشجرة الأصلية، وتُعدّ جزءًا من جهد عالمي لربط العلوم الحديثة بجذورها التاريخية، وإبقاء قصة نيوتن حيّة عبر الأجيال.
وبينما يتجادل المؤرخون حول مدى دقة لحظة “سقوط التفاحة”، تبقى الحقيقة الأهم أن نيوتن غيّر فهم البشرية للطبيعة والكون.
واليوم، تقف شجرة التفاح في وولثورب كشاهد حي على عبقرية الإنسان، وعلى لحظة تأمل ألهمت قوانين الحركة والجاذبية، ولا تزال تُلهم العلماء والزوار من مختلف أنحاء العالم حتى اللحظة.