في مطلع العام الماضي، أعلن رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك أن شركته «نيورالينك» نجحت في زراعة أول شريحة دماغية لا سلكية في إنسان، مؤكداً أن النتائج الأولية أظهرت استجابة واعدة في تحفيز الخلايا العصبية مع تعافي المريض بشكل جيد.
واليوم، كشفت الشركة أنها تمكنت من زرع هذه الشرائح لدى 12 شخصاً في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول كيفية عمل هذه التقنية، وأهدافها، والجدل المرتبط بها.
شركة «نيورالينك» ورؤيتها المستقبلية
تأسست «نيورالينك» عام 2017 على يد إيلون ماسك، بهدف تطوير واجهات بين الدماغ والحاسوب (BCIs) تمكّن الأشخاص المصابين بإعاقات أو إصابات بالغة من التحكم في الأجهزة الإلكترونية بمجرد التفكير.
يقع مقر الشركة في كاليفورنيا، مع خطط لإنشاء منشأة ضخمة في ولاية تكساس. ابتكارها الأساسي يعتمد على جهاز مزوّد بخيوط فائقة الدقة تُزرع في الدماغ عبر روبوت جراحي متخصص لضبط مواقعها بدقة بالغة.
في فبراير 2024، أعلن ماسك أن أول مريض بشري زرعت له الشريحة استطاع التحكم في مؤشر الفأرة بعقله فقط، بينما أظهرت تجارب أخرى أن مرضى الشلل تمكنوا من اللعب والتصميم ثلاثي الأبعاد من خلال التفكير.
ومع حلول 2025 ارتفع عدد المتلقين إلى 9 أشخاص، لتصل اليوم إلى 12 مريضاً مع أكثر من 15 ألف ساعة استخدام للأجهزة عبر الأفكار، وأكثر من 2000 يوم من التجارب العملية.
ماهية شرائح الدماغ وتطورها التاريخي
شرائح الدماغ عبارة عن رقائق إلكترونية دقيقة تُزرع لالتقاط الإشارات العصبية أو تحفيز مناطق محددة داخل الدماغ، ما يجعلها واجهة مباشرة بين الإنسان والآلة.
أهدافها تتنوع بين استعادة القدرات المفقودة مثل الحركة أو النطق، والتحكم في الأطراف الصناعية والكراسي المتحركة بالتفكير، وعلاج أمراض معقدة كشلل الرعاش والصرع عبر التحفيز العصبي.
تاريخياً بدأت هذه التجارب منذ ستينات القرن الماضي بأبحاث على الحيوانات، وتطورت في التسعينات إلى تمكين مرضى مشلولين من تحريك مؤشرات الحاسوب بعقولهم.
مع بداية الألفية الجديدة اندمجت تقنيات الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الدقيقة لتطوير أنظمة أكثر تطوراً، أبرزها التحفيز العميق للدماغ الذي استُخدم علاجياً لمرض باركنسون.
كما توسعت الجامعات مثل براون ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تطوير شرائح موجهة لاستعادة الحركة والكلام، محولة هذا المجال من بحوث تجريبية إلى تطبيقات عملية.
آلية العمل والجدل الأخلاقي
تعتمد عملية الزرع على روبوت جراحي يقوم بإدخال الشريحة وسلسلة من الأقطاب فائقة الدقة داخل الدماغ، حيث تنقل الإشارات العصبية لاسلكياً إلى تطبيق مخصص لتحويلها إلى أوامر رقمية، ويتم شحنها كذلك بشكل لاسلكي.
ولتفادي العمليات المعقدة، طورت الشركة تقنية لزرع الجهاز عبر الوريد الوداجي وصولاً إلى الدماغ، حيث يلتقط الجهاز إشارات التفكير المتعلقة بالحركة ويترجمها إلى أوامر رقمية. ورغم أن هذه التجارب لم تسجل كوارث كبرى حتى الآن، فإنها أثارت جدلاً واسعاً منذ أن منحت هيئة الغذاء والدواء الأميركية موافقة على التجارب البشرية في 2023 بعد سلسلة من التحفظات.
انتقادات طالت الشركة بسبب تجاربها على الحيوانات، وتقارير عن مشكلات في ضبط الجودة داخل مختبراتها، كما واجهت تحقيقات تتعلق بالشفافية بعد تقارير عن مشكلات صحية أصابت بعض الحيوانات، إضافة إلى اتهامات من مشرعين أميركيين لإيلون ماسك بإخفاء تفاصيل عن مخاطر التقنية.
قصة المريض الأول وتجربة الاستقلالية
كان نولاند أربو، الأميركي البالغ من العمر 31 عاماً والمصاب بشلل رباعي منذ حادث غوص عام 2016، أول شخص يزرع له جهاز «نيورالينك» في 2024.
أُجريت العملية في معهد بارو للأعصاب بأريزونا، حيث زرعت الشريحة خلال أقل من ساعتين بواسطة روبوت جراحي آلي.
الجهاز يحتوي على آلاف الأقطاب الكهربائية المرتبطة بالخلايا العصبية، ما يتيح قياس النشاط العصبي وترجمته إلى أوامر رقمية مباشرة.
اليوم يستطيع أربو تشغيل جهاز الكمبيوتر بعقله، التحكم في التلفزيون، اللعب بألعاب الفيديو مثل «ماريو كارت»، وحتى تشغيل أجهزة منزلية دون الحاجة إلى أي حركة جسدية.
ورغم قوله إن الإعاقة حرمتْه من الخصوصية والاستقلالية، فإن الشريحة وفرت له جزءاً من السيطرة على حياته اليومية، مانحة مثالاً عملياً لما قد تحمله هذه التقنية من أمل لملايين المرضى حول العالم.
اقرأ ايضًا…بعد الإعلان الرسمي من شركة أبل .. كل ما تريد معرفته عن آيفون 17 الجديد بجميع إصداراته