في تطور جديد يزيد من تعقيد الملف النووي الإيراني، كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، في تحقيق استقصائي نشرته الثلاثاء، عن زيارة سرية قام بها وفد من العلماء النوويين والمسؤولين الإيرانيين إلى روسيا، حيث التقوا بمعاهد وشركات متخصصة في تكنولوجيا ذات استخدام مزدوج، يمكن استغلالها في أبحاث الأسلحة النووية.
معلومات مسربة ووثائق سرية تكشف تفاصيل الرحلة
استند التحقيق إلى وثائق سفر، مراسلات سرية، وسجلات شركات، إضافة إلى مقابلات أجرتها الصحيفة مع مسؤولين غربيين وخبراء في مجال منع الانتشار النووي.

وبحسب الصحيفة، فقد جرت الزيارة بين 4 و8 أغسطس 2024، بمشاركة وفد إيراني ادعى أنه يمثل شركة “دامافاند تك” للاستشارات، التي تتخذ من طهران مقرًا لها. لكن التحقيق يشير إلى أن هذه التغطية مجرد “قناع” يخفي حقيقة ارتباط الوفد بـ منظمة الابتكار والأبحاث الدفاعية الإيرانية SPND، وهي كيان تابع لوزارة الدفاع الإيرانية، وتخضع لعقوبات أميركية بسبب أنشطتها المرتبطة بتطوير الأسلحة.
خلفيات مشبوهة وأهداف استراتيجية
الوفد يرتبط بـ SPND.. الجهة المثيرة للقلق دوليًا
وفقًا لمصادر غربية مطلعة، فإن أعضاء الوفد لم يكونوا مجرد أكاديميين، بل شخصيات مرتبطة بشكل مباشر بمنظمة SPND، التي تعمل منذ سنوات على تطوير برامج بحثية مشبوهة يُعتقد أنها تسعى لتعزيز القدرات الإيرانية في التقنيات النووية الحساسة.
التحقيق يكشف أن وزارة الدفاع الإيرانية كلّفت العالم النووي علي كالفاند بترتيب الزيارة، بناء على دعوة من العالم الروسي أوليغ ماسلينيكوف، وهو شخصية بارزة في شركات التكنولوجيا المتخصصة في الاستخدام المزدوج.
كما قامت وزارة الخارجية الإيرانية بإصدار جوازي سفر دبلوماسيين خاصين لأعضاء الوفد، ما يضفي على الرحلة طابعًا رسميًا وخطيرًا في آن واحد.
ما الذي سعت طهران للحصول عليه من موسكو؟
رغم عدم تحديد نوعية التكنولوجيا أو المعدات التي كان يسعى الوفد الإيراني للحصول عليها، فإن الجهات التي زارها، مثل:
مركز تكنو إكسبيرت
مركز توري للأبحاث
شركات تابعة لماسيلنيكوف
شركة “روستوخ” الحكومية الروسية الخاضعة للعقوبات
… كلها مؤسسات متخصصة في تقنيات الازدواجية المدنية والعسكرية، وهو ما يثير مخاوف من إمكانية استغلال تلك التقنية في اختبارات وتطوير الأسلحة النووية.
نوايا خفية ولغة تقنية مبهمة
كشف مسؤولون استخباراتيون سابقون للصحيفة أن منظمة SPND تعتمد في مراسلاتها ومشاريعها البحثية على لغة غامضة ومصطلحات غير دقيقة، لتضليل المجتمع الدولي وتجنب خرق مباشر لمعاهدات منع انتشار الأسلحة النووية.
كما أكدت مصادر مطلعة أن الوفد سعى إلى الحصول على مواد مشعة لأغراض بحثية، إلى جانب أدوات تشخيص يُشتبه باستخدامها في اختبارات الأسلحة النووية.
اقرأ أيضًا:
نواب بـ الكونغرس يطالبون ترامب بالاعتراف بدولة فلسطين وسط تصاعد الأزمة في غزة
ردود فعل وتحذيرات دولية
مسؤول أميركي: “هذه الاجتماعات مقلقة للغاية”
قال براناي فادي، المدير السابق لشؤون عدم الانتشار النووي في مجلس الأمن القومي الأميركي حتى يناير 2025: “مقلق أن أشخاصًا كهؤلاء يتمكنون من عقد هذا النوع من الاجتماعات في روسيا، خصوصًا في ظل العلاقة الوثيقة والمتزايدة بين موسكو وطهران”.
وأضاف فادي: “حتى وإن لم تحصل إيران على تكنولوجيا مباشرة، فإن مجرد اللقاء وتبادل المعرفة مع مؤسسات من هذا النوع يمكن أن يُستخدم لاحقًا في برامج الأسلحة النووية التابعة لـ SPND”.
إيران وروسيا.. علاقة نووية في الظل
تعكس هذه الزيارة توجهًا جديدًا في التعاون الإيراني-الروسي في مجالات يُحتمل أن تتجاوز الاستخدام المدني للطاقة النووية، ومع تزايد الشكوك الغربية بشأن أهداف البرنامج النووي لـ طهران، تأتي هذه الخطوة لتضيف المزيد من التوتر في المشهد السياسي والأمني الإقليمي.
استراتيجية “الغموض النووي” لا تزال قائمة
يرى خبراء مراقبون أن طهران لم تتخلّ عن استراتيجية “الغموض المحسوب”، حيث تسعى إلى توسيع معرفتها النووية دون الدخول في خرق واضح للاتفاقيات الدولية. ويبدو أن هذه الزيارة تأتي في سياق تعزيز المعرفة التقنية تحسبًا لأي قرار سياسي مستقبلي بتطوير سلاح نووي.