تتصاعد حدة النقاشات داخل الأوساط السياسية والعسكرية حول إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك، وهي صواريخ كروز بعيدة المدى من طراز توماهوك، في خطوة قد تشكل تحوّلاً استراتيجياً في مسار الحرب مع روسيا، وفي الوقت الذي يلمّح فيه مسؤولون أميركيون إلى ضوء أخضر محتمل من الرئيس دونالد ترامب، ترى موسكو أن أي خطوة من هذا النوع ستدفعها إلى مراجعة قواعد اشتباكها وربما رفع القيود المفروضة على استخدام أسلحة أكثر خطورة.
تصريحات غامضة من واشنطن
الجدل انطلق بعد تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي بشأن أوكرانيا، كيث كيلوغ، الذي قال إن ترامب منح كييف الإذن باستخدام أسلحة بعيدة المدى لتنفيذ ضربات داخل العمق الروسي، مؤكداً أنه “لا توجد أماكن محصّنة في روسيا”.
لكن العميد الروسي المتقاعد ميخائيل خودارينوك، في تقرير نشرته صحيفة غازيتا، اعتبر أن تصريحات كيلوغ “غامضة ومتناقضة”، لافتاً إلى أن الأخير لا يمتلك الصلاحيات الرسمية لإصدار قرارات بهذا الحجم، وأن البيت الأبيض لم يصدر حتى الآن أي توجيهات مكتوبة تؤكد هذا التوجه.
زيلينسكي يطلب رسميًا صواريخ توماهوك
خلال لقائه الأخير مع ترامب في البيت الأبيض، طرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فكرة تزويد بلاده بصواريخ “توماهوك” بنسخة تايفون، وهي منصات برية متنقلة يصل مداها إلى نحو 1800 كيلومتر.
وفي 28 سبتمبر/أيلول، أكد نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس أن القرار النهائي بشأن تسليم هذه الصواريخ يعود إلى الرئيس شخصياً، مشيراً إلى أن واشنطن تدرس أيضاً تزويد أوكرانيا بأنظمة صاروخية أخرى تابعة لحلف الناتو.
عقبات تشغيلية واستخباراتية
يشير خبراء عسكريون إلى أن تشغيل صواريخ “توماهوك” يتطلب معلومات استخباراتية عالية الدقة، وهو ما لا تستطيع أوكرانيا توفيره بمفردها.
برامج الطيران الخاصة بالصواريخ لا يمكن إعدادها إلا من قبل خبراء أميركيين.
واشنطن تتردد في نقل هذه التكنولوجيا الحساسة خوفاً من تسريبها.
هذا ما دفع ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، للتساؤل:
“من يمكنه إطلاق هذه الصواريخ إذا وصلت إلى أوكرانيا؟ هل الأوكرانيون وحدهم، أم العسكريون الأميركيون؟ ومن يحدد الأهداف؟”.
اقرأ أيضًا:
تسرب وقود بغواصة روسية نووية يهدد بانفجار مدمّر.. قلق بريطاني والناتو يراقب عن كثب
مخاوف روسية من “تصعيد نوعي”
تعتبر موسكو أن إدخال “توماهوك” إلى ميدان القتال سيشكل تصعيداً غير مسبوق.
هذه الصواريخ قادرة على الطيران على ارتفاعات منخفضة جداً، ما يجعل رصدها صعباً.
سبق لروسيا أن واجهت تحديات مع صواريخ “أتاكمز” و”ستورم شادو”، لكن “توماهوك” يمثل مستوى أعلى من التهديد.

بعض المحللين الروس يحذرون من أن الأمر قد يدفع القيادة السياسية والعسكرية في موسكو إلى رفع القيود المفروضة على استخدام “الأسلحة الخاصة” في أوكرانيا.
اختبار للمصالح القومية الأميركية
يرى خودارينوك أن على صناع القرار في واشنطن توضيح العلاقة بين تزويد كييف بـ صواريخ توماهوك وبين المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة. ويطرح السؤال:
هل يستحق تسليم أوكرانيا “توماهوك” المخاطرة بتوسيع نطاق الحرب؟
وكيف يتفق ذلك مع تصريح ترامب الأخير بأن “العالم لم يعد يقف على أعتاب حرب عالمية ثالثة”؟
يبقى ملف صواريخ توماهوك لأوكرانيا معلقاً بين الرغبة الأوكرانية في تعزيز قدراتها الهجومية، والقلق الروسي من تصعيد قد يغيّر قواعد اللعبة كلياً. وبين تصريحات أميركية غامضة وتحذيرات روسية صريحة، تبدو الساحة الأوروبية مقبلة على اختبار جديد لموازين القوى، قد تكون نتائجه أوسع من حدود أوكرانيا.