تشهد الصناعات الدفاعية الإسرائيلية واحدة من أعقد أزماتها منذ سنوات، بعدما أُعلن عن إلغاء سلسلة من العقود العسكرية الضخمة التي تجاوزت قيمتها مليار دولار، وذلك في ظل تصاعد الغضب الدولي من استمرار الحرب في غزة. التطورات الأخيرة أثارت مخاوف واسعة داخل تل أبيب من تداعيات اقتصادية وأمنية قد تمتد لسنوات، وتهدد مكانة إسرائيل كأحد أكبر مصدّري السلاح في العالم.
إسبانيا تتصدر قرارات الإلغاء والحظر العسكري
في خطوة وُصفت بأنها الأكثر حدة منذ بداية الحرب، أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية الأسبوع الماضي إلغاء صفقة بقيمة 218 مليون دولار مع شركة رافائيل الإسرائيلية، كانت تتعلق بتوريد أنظمة توجيه متطورة للقنابل من طراز لايتنينغ 5.
وسبق ذلك إلغاء عقد آخر بقيمة 272 مليون دولار لشراء صواريخ سبايك المضادة للدبابات من الشركة ذاتها، إضافة إلى وقف صفقة كبرى بقيمة 763 مليون دولار مع شركة إلبيت سيستمز لتزويد مدريد بأنظمة صواريخ بلوس.
بذلك يصل إجمالي العقود الملغاة بين مدريد وتل أبيب إلى ما يقارب 1.25 مليار دولار، في مؤشر خطير على حجم العزلة العسكرية التي قد تواجهها إسرائيل داخل أوروبا.
كما لم يقتصر الموقف الإسباني على العقود، إذ فرضت مدريد حظراً شاملاً على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ومنعت دخول السفن المرتبطة بها إلى الموانئ الإسبانية، وأوقفت كذلك تصدير المواد الخام ذات الاستخدام العسكري.
مخاوف إسرائيلية من “النموذج الإسباني”
أثارت الخطوة الإسبانية قلقاً واسعاً في أوساط قطاع الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، حيث تخشى الشركات من أن تحذو دول أوروبية أخرى حذو مدريد.
وبحسب بيانات رسمية، بلغت صادرات الأسلحة الإسرائيلية رقماً قياسياً عام 2024 عند 14.8 مليار دولار، كان نصفها متجهاً إلى أوروبا.
ونقلت صحيفة كالكاليست الاقتصادية عن مسؤول بارز قوله: “الأنظمة مثل صواريخ سبايك يمكن إعادة تسويقها لمشترين آخرين بسهولة، لكن الخطر الحقيقي يتمثل في تجميد العقود الجديدة، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع كبير في الصادرات بحلول عام 2026 وتوجيه ضربة قاسية في 2027”.
مسؤول آخر حذر من أن الاعتماد الكلي على وزارة الدفاع الإسرائيلية لتعويض الخسائر أمر غير واقعي، مشيراً إلى أن “الضغوط السياسية العالمية تجعل من الصعب على الحلفاء الاستمرار في دعم إسرائيل عسكرياً واقتصادياً”.
تحركات دبلوماسية عاجلة لاحتواء العزلة
في محاولة للحد من تداعيات الأزمة، توجه وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات إلى العاصمة الألمانية برلين في “رحلة عاجلة”، ترافقه بعثة اقتصادية يقودها رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيليين رون تومر.
تهدف الزيارة إلى إقناع ألمانيا بعدم دعم مقترح أوروبي يقضي بتعليق أجزاء من اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وقال تومر عقب لقاءاته مع المسؤولين الألمان: “تلقينا رسالة مشجعة مفادها أن ألمانيا لن تدعم فرض قيود تجارية، لكن الأوضاع السياسية الداخلية هناك معقدة للغاية”.
وبحسب استطلاع أجرته جمعية المصنعين الإسرائيليين، فإن:
50% من المصدرين أكدوا أنهم واجهوا إلغاء أو عدم تجديد لعقودهم مع شركاء أجانب.
70% من الشركات عزت ذلك إلى أسباب سياسية مرتبطة بالحرب.
38% أرجعوا الأسباب لصعوبات لوجستية.
29% أشاروا إلى تأخيرات جمركية عالمية.
اقرأ أيضًا:
مصر تحذر من “انفجار وشيك” بالشرق الأوسط.. وتطرح خارطة طريق من 5 محاور في الأمم المتحدة
أزمة “مايكروسوفت” تزيد المشهد تعقيداً
إلى جانب الضغوط الأوروبية، تلقت إسرائيل ضربة غير متوقعة من شركات التكنولوجيا الأميركية. فقد أكدت شركة مايكروسوفت أنها أوقفت خدمات التخزين السحابي وأدوات الذكاء الاصطناعي عن وحدة 8200 للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بعد كشف تحقيق عن استخدام خوادم أزور لتخزين وتحليل مكالمات تم اعتراضها من فلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وأوضحت الشركة أن قرارها جاء بعد مراجعة داخلية لضمان عدم استخدام تقنياتها في المراقبة الجماعية للمدنيين، في ظل احتجاجات متزايدة من موظفيها ضد العلاقة مع إسرائيل.
ورغم تأكيد مسؤولين أمنيين أن الخطوة لم تؤثر بشكل مباشر على القدرات العملياتية للجيش، فإنها تعكس تحوّلاً في موقف شركات التكنولوجيا الكبرى، التي باتت تواجه ضغوطاً حقوقية وسياسية متنامية لفك الارتباط مع إسرائيل.
تشير التطورات الأخيرة إلى أن صادرات الأسلحة الإسرائيلية، التي تعد ركناً أساسياً في الاقتصاد والأمن القومي، باتت أمام مفترق طرق خطير. فبين إلغاء عقود بمليارات الدولارات، وضغوط أوروبية متصاعدة، ومواقف صارمة من شركات التكنولوجيا العالمية، تبدو إسرائيل مقبلة على مرحلة عنوانها العزلة الدولية المتزايدة.
وإذا استمرت هذه الاتجاهات حتى عام 2026 وما بعده، فإن الصناعات الدفاعية الإسرائيلية قد تواجه أكبر أزمة في تاريخها الحديث، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على النفوذ العسكري والاقتصادي لتل أبيب عالمياً.