في تطور ميداني وسياسي مفاجئ، أعلنت وزارة الدفاع السورية، اليوم الثلاثاء، عن التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك بعد أيام من اشتباكات عنيفة اندلعت في مناطق شمال وشمال شرق البلاد.
ويأتي الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ فور توقيعه، ليعيد الأمل بإحياء التفاهم التاريخي بين دمشق و”قسد”، والذي كان يهدف إلى توحيد الصفوف ودمج القوات الكردية ضمن مؤسسات الدولة السورية.

اتفاق جديد بين الجيش السوري وقسد
بحسب البيان الصادر عن وزارة الدفاع السورية، فإن وزير الدفاع مرهف أبو قصرة التقى اليوم قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، حيث توصلا إلى وقف شامل لإطلاق النار في جميع المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال وشمال شرق سوريا.
وأكد البيان أن الاتفاق يسري فورًا، ويشمل جميع خطوط التماس الممتدة من ريف الحسكة إلى ريف حلب الشرقي، مع التزام الجانبين بوقف الأعمال العسكرية ومنع أي خروقات ميدانية.
خلفية الاشتباكات الأخيرة
كانت مناطق في شمال سوريا قد شهدت خلال الأسبوعين الماضيين تصاعدًا في المواجهات بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، خصوصًا في محيط مدينتي منبج والقامشلي، ما أثار المخاوف من انهيار الاتفاق السياسي الموقع في مارس/آذار الماضي بين الجانبين.

ووفق مصادر ميدانية، جاءت الاشتباكات نتيجة خلافات حول مواقع الانتشار والسيطرة على المعابر النهرية، إلى جانب اتهامات متبادلة بخرق التفاهمات الأمنية.
اتفاق مارس.. خطوة نحو توحيد البلاد
ويُعد اتفاق مارس بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية نقطة تحول مهمة في مسار الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 14 عامًا.
نص الاتفاق حينها على دمج وحدات “قسد” في الجيش السوري، وعلى إعادة مؤسسات الدولة تدريجيًا إلى المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية شمال وشرق البلاد، بما في ذلك منبج، والرقة، والحسكة، وعين العرب (كوباني).
كما تضمن الاتفاق بندًا خاصًا يتعلق بـ دمج الهياكل الإدارية والسياسية الكردية في مؤسسات الدولة، ما اعتُبر آنذاك خطوة جريئة نحو إنهاء الانقسام الداخلي وإعادة اللحمة الوطنية.

استعادة الثقة بعد اختبار صعب
يرى محللون أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير يمثل محاولة جديدة لإعادة بناء الثقة بين الطرفين بعد اختبار صعب خلال الأسابيع الماضية.
ويقول الخبير في الشؤون السورية الدكتور سامر خليل إن “الاتفاق الجديد يعكس إدراك الطرفين لخطورة استمرار التصعيد، خصوصًا في ظل الانشغال الإقليمي والدولي بملفات أخرى، مثل الحرب في غزة والأوضاع في العراق ولبنان”.
وأضاف: “دمشق و(قسد) تعلمان أن أي مواجهة مفتوحة بينهما ستكون مكلفة سياسيًا وميدانيًا، وقد تفتح الباب أمام تدخلات خارجية جديدة”.
اقرأ أيضًا:
اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وقوات “قسد” في حلب
مواقف الأطراف الدولية
رحبت مصادر قريبة من البعثة الروسية في دمشق بالاتفاق، معتبرة أنه “يتماشى مع رؤية موسكو للحل السياسي في سوريا”، بينما امتنعت واشنطن عن التعليق رسميًا حتى الآن، في ظل موقفها المعقد من “قسد” التي كانت حليفًا رئيسيًا لها في الحرب ضد تنظيم داعش.
أما على المستوى الإقليمي، فقد رحبت بغداد وطهران بالخطوة، مؤكدتين دعمهما لأي جهود تهدف إلى استعادة الاستقرار ووحدة الأراضي السورية.

يُعد الاتفاق بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية بمثابة فرصة جديدة لإنهاء حالة التوتر التي تهدد بتقويض جهود إعادة توحيد البلاد، ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الفوري، تتجه الأنظار إلى مدى التزام الطرفين بتطبيق بنوده، وما إذا كان هذا الاتفاق سيشكل مقدمة لعودة التنسيق الكامل بين دمشق والإدارة الذاتية الكردية، في إطار مسار سياسي طويل لإنهاء الحرب السورية التي مزّقت البلاد لأكثر من عقد من الزمن.