بعد أكثر من عقدين من محاولاته الأولى للتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يعود رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى دائرة الصراع في الشرق الأوسط، لكن هذه المرة عبر بوابة جديدة يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدارة شؤون قطاع غزة ضمن خطة سلام مثيرة للجدل. وبينما يرى بعض المراقبين أن بلير يمتلك خبرة واسعة في بناء الجسور الدبلوماسية، يرفض آخرون ـ وفي مقدمتهم حركة حماس ـ أي دور له في مستقبل القطاع.
توني بلير يعود إلى مسرح غزة عبر “مجلس السلام”
وفقاً للخطة الأميركية ذات النقاط الـ20 التي أعلنها ترامب لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، سيتم إنشاء مجلس سلام دولي يتولى الإشراف على غزة، على أن يقوده ترامب نفسه، مع إدراج توني بلير كأحد أبرز الشخصيات المرشحة للعب دور رئيسي فيه.

ورغم أن تفاصيل منصبه لم تُكشف بعد، إلا أن بلير أصدر بياناً مقتضباً وصف فيه المبادرة الأميركية بأنها “خطة جريئة وذكية” تمثل ـ بحسب تعبيره ـ أفضل فرصة لإنهاء الحرب الدائرة.
سجل متقلب.. من أيرلندا الشمالية إلى فلسطين
يستند مؤيدو تكليف بلير إلى نجاحه السابق في عملية السلام في أيرلندا الشمالية، حيث لعب دوراً محورياً في إنهاء ثلاثة عقود من العنف الطائفي. لكن تجربته في الشرق الأوسط لم تحقق النتائج المرجوة؛ فعقب استقالته من رئاسة الوزراء عام 2007، عُين مبعوثاً دولياً للرباعية (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة) بهدف تعزيز التنمية الفلسطينية وتهيئة الظروف لحل الدولتين.
غير أن جهوده اصطدمت بجمود سياسي متكرر، ولم تحقق أي تقدم ملموس، وانتهت عملياته التفاوضية إلى طريق مسدود مع انهيار محادثات السلام في 2014.
رفض حماس القاطع لدوره
في المقابل، جاء موقف حركة حماس حاسماً برفضها أي مشاركة لبلير. وقال القيادي في الحركة طاهر النونو: “لا نقبل أن يتم فرض وصاية أجنبية على شعبنا… شعبنا أقدر على إدارة شؤونه بنفسه”.
هذا الموقف يعكس حساسية المشهد في غزة، حيث ترى الفصائل الفلسطينية أن أي وصاية خارجية ستعيد إنتاج أزمات سابقة وتحد من استقلالية القرار الفلسطيني.
بلير بين واشنطن وتل أبيب
تاريخياً، كان بلير يحظى بثقة كبيرة لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما دفع بعض الدبلوماسيين للترحيب بمشاركته في المجلس الجديد. وقال توم كيلي، المتحدث السابق باسم بلير: “من يبحث عن شخصية تحظى بشعبية عالمية في الشرق الأوسط سيظل يبحث طويلاً… لكن بلير يمتلك القدرة على فهم جميع وجهات النظر ورسم صورة لمستقبل أفضل”.
كما يرى ميران حسن، مدير مجلس حزب العمال للشرق الأوسط، أن بلير قد يكون خياراً مفيداً بفضل “قدرته على مد الجسور في العلاقات الدبلوماسية على مستويات عالية جداً”.
شبكة مصالح واسعة بعد رئاسة الوزراء
منذ مغادرته منصبه عام 2007، أسس بلير معهد توني بلير لتقديم الاستشارات للحكومات، ويحظى بدعم رجال أعمال بارزين مثل لاري إليسون مؤسس شركة “أوراكل”. كما يعمل منذ 2008 مستشاراً لدى بنك جيه.بي مورغان، وعضواً في المجلس الدولي للبنك الأكبر في الولايات المتحدة لتقديم المشورة في القضايا الجيوسياسية.
هذه الشبكة الواسعة من العلاقات السياسية والاقتصادية قد تمنحه نفوذاً إضافياً في أي دور جديد بالشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا:
تفاصيل خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة.. 20 بنداً لإعادة الإعمار ونزع السلاح وإطلاق الرهائن
تحديات “العودة الثانية”
مع أن خطة ترامب وصفت بأنها “جريئة”، إلا أن عودة بلير إلى المشهد الفلسطيني ـ الإسرائيلي تثير الكثير من التساؤلات:
هل ينجح في تحقيق ما فشل فيه سابقاً؟
كيف سيتعامل مع الرفض الفلسطيني لدوره؟
وهل سيكون وجوده مجرد واجهة دبلوماسية لشرعنة الخطة الأميركية؟
يعود توني بلير اليوم إلى واحدة من أعقد الملفات الدولية، حاملاً معه إرثاً مزدوجاً بين نجاح في إيرلندا الشمالية وفشل في فلسطين. ومع دخول خطة ترامب للسلام في غزة مرحلة الاختبار، سيظل السؤال مفتوحاً: هل يتمكن بلير من استعادة بريقه السياسي عبر بوابة غزة، أم أن تاريخه السابق سيلاحقه مرة أخرى في الشرق الأوسط؟