بعد أيام ثقيلة من القصف والتصعيد، ووسط رائحة البارود التي لم تغادر بعد شوارع المدينة، بدأت ملامح الحياة تعود تدريجيًا إلى قطاع غزة، مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. ومع انتشار قوات الأمن الفلسطيني في الشوارع، شعر السكان بنوع من الطمأنينة المفقودة، وبدأوا في الخروج، بحثًا عن بقايا منازلهم أو حتى عن مربعات الأرض التي كانت يومًا تعني لهم “الوطن الصغير”.
غزة تنبض الحياة من جديد
في حي الشجاعية، أحد أكثر المناطق تضررًا، يسير الأطفال حفاةً فوق الحجارة والغبار، يحملون كراتهم القديمة، وبعضهم رسم على وجهه ابتسامة غريبة، ربما هي ابتسامة الخلاص المؤقت، وربما مجرد لحظة نسيان لما حدث.
محمود (11 عامًا)، يقول وهو يمسك بيد شقيقه الأصغر: “رجعت ألعب بالكرة اليوم.. مش عارف كيف بس حاسس إني فرحان شوي”. من خلفه تظهر جدران متصدعة، ونوافذ مكسورة، لكنها في عيون الأطفال مجرد تفاصيل لا توقف رغبتهم في الركض والضحك.
مشاهد الابتسامة تعود بين الأنقاض في غزة
في مركز المدينة، تعمل فرق الدفاع المدني على إزالة الركام، فيما تنشغل العائلات بتحديد أماكن منازلها، في محاولة لرسم حدود الذاكرة على أرض تغيرت معالمها. “هذه الزاوية كانت مطبخنا.. هنا كانت شجرة الزيتون التي زرعها والدي قبل 20 سنة”, تقول أم علاء، وهي تشير إلى كومة من الأحجار والزجاج، في محاولة لإقناع نفسها أن هذا الركام كان بيتًا.

ومع بدء انتشار أفراد الأمن بملابسهم الرسمية في الشوارع، بدا المشهد أكثر تنظيمًا. الحركة تعود شيئًا فشيئًا، والدكاكين بدأت تفتح أبوابها، ولو بشكل جزئي، لتلبية احتياجات الناس الذين خرجوا بحثًا عن الخبز والماء، وربما القليل من الأمل.
غزة.. انتشار قوات الأمن الفلطسينية
الناطق باسم وزارة الداخلية أكد أن عناصر الشرطة انتشرت في كافة محافظات القطاع فور بدء سريان وقف إطلاق النار، بهدف “حماية المواطنين وتنظيم حركة المرور والمساعدة في جهود الإنقاذ والإغاثة”، مشيرًا إلى أن الأيام القادمة ستشهد تعزيزًا لهذه الجهود بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني.

ورغم هول ما حدث، لا تزال بعض المشاهد تحمل ما يشبه المعجزات الصغيرة. في مخيم النصيرات، وجدت عائلة فلسطينية قطتها التي فقدتها قبل أسبوع، داخل خزان مياه مهجور، في لحظة غلبت فيها الدموع على الكلمات.
وفي ساحة عامة، أقام عدد من الشبان مسرحًا بسيطًا من بقايا الأخشاب، وبدأوا يقدمون عرضًا للأطفال، مستخدمين عرائس يدوية الصنع، في محاولة لإعادة الضحكة إلى وجوه عانت الكثير. “بنحاول نزرع بسمة صغيرة.. يمكن نقدر نمسح صورة الصاروخ من مخيلتهم ولو لدقايق”, يقول رامي، أحد المشاركين في المبادرة.
غزة اليوم ليست كما كانت، لكنها لم تمت. بين الركام، ترفرف أرواح من بقي، وتصعد أرواح من رحل، لكن الحياة هنا تعود، ببطء، بخجل، ولكن بإصرار لا يعرف الانكسار.