في خضم الانقسامات العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تفجّرت فضيحة تجسس جديدة أُطلق عليها “الصقيع القطبي”، وصفت بأنها “أسوأ من ووترغيت”، بعد كشف وثيقة صادمة تُظهر أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) حصل سرًا على سجلات هواتف تسعة أعضاء جمهوريين في الكونغرس، بينهم ثمانية أعضاء حاليين في مجلس الشيوخ، خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
الفضيحة التي أُطلق عليها اسم “عملية الصقيع القطبي” (Polar Freeze)، تفتح فصلاً جديدًا من الصراع السياسي في واشنطن، وسط مطالبات بمحاسبة المسؤولين المتورطين في ما وُصف بأنه “تسليح للأجهزة الفيدرالية لأهداف حزبية”.

فضيحة الصقيع القطبي.. وثيقة تكشف عن تجسس في عهد بايدن
ووفقًا لما نشرته صحيفة “نيويورك بوست” الأميركية، فقد كُشف النقاب عن الوثيقة مؤخرًا بعد أن سلّمها رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الجمهوري تشاك غراسلي إلى المشرّعين، لتثير عاصفة من الجدل السياسي والإعلامي.
تُظهر الوثيقة المؤرخة في 27 سبتمبر/أيلول الماضي أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أجرى تحليلاً أوليًا لسجلات هواتف أعضاء جمهوريين في إطار تحقيقات “الصقيع القطبي” حول التدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2020.
من استُهدف بالتجسس؟
تضمنت القائمة التي وردت في الوثيقة أسماء بارزة داخل الحزب الجمهوري، من بينهم: ليندسي غراهام، بيل هاغرتي، جوش هاولي، دان سوليفان، تومي توبرفيل، رون جونسون، سينثيا لوميس، مارشا بلاكبيرن، بالإضافة إلى النائب مايك كيلي.
وقال جميع الأعضاء إنهم لا يعلمون سبب استهدافهم من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فيما عبّر السيناتور بيل هاغرتي عن استغرابه قائلاً: “الشيء الوحيد المشترك بيننا جميعًا هو أننا جمهوريون.”

غراسلي: أسوأ من ووترغيت
في بيان رسمي، قال السيناتور تشاك غراسلي إن ما كشفته الوثيقة يمثل انتهاكًا خطيرًا للدستور الأميركي، مؤكدًا أن الفضيحة “تُظهر سلوكًا سياسيًا صادمًا من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي في عهد بايدن”.
وأضاف: “ما اكتشفته اليوم هو سلوك سياسي مقلق وصادم من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي… إنها حادثة أسوأ من ووترغيت، ويجب محاسبة المسؤولين عنها فورًا.”
ودعا غراسلي المدعية العامة السابقة بام بوندي، ومدير المكتب الحالي كاش باتيل، إلى فتح تحقيق شامل في الواقعة، مؤكّدًا أن اللجنة القضائية ستواصل جمع الأدلة واستدعاء المسؤولين السابقين للإدلاء بشهاداتهم.
تحقيقات “الصقيع القطبي”.. من أين بدأت القصة؟
بدأت تحقيقات “الصقيع القطبي” في أبريل/نيسان 2022، تحت إشراف المستشار الخاص السابق جاك سميث، وتركزت على محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحلفائه للطعن في نتائج انتخابات 2020.
وبحسب الوثيقة، فإن “إف بي آي” لم يتنصت فعليًا على هواتف المشرعين، بل جمع بيانات ميتا تتعلق بـ”هوية المتصلين وأوقات الاتصالات ومدتها”، وهو ما يُعد وفق القانون الأميركي تجاوزًا خطيرًا لخصوصية المسؤولين المنتخبين.

ردود الأفعال الغاضبة
أصدر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الحالي كاش باتيل بيانًا قال فيه: “لقد اكتشفنا مؤخرًا دليلًا على أن سجلات هواتف المشرعين الأميركيين قد تم الاستيلاء عليها لأغراض سياسية. هذا الاستغلال للسلطة يجب أن ينتهي الآن.”
وأضاف باتيل: “تحت قيادتي، سيُظهر مكتب التحقيقات الفيدرالي الحقيقة ويضمن المساءلة. لن يُستخدم بعد اليوم كسلاح ضد الشعب الأميركي.”
من جانبه، أكد السيناتور رون جونسون أن الفضيحة “تؤكد المخاوف القديمة من تسييس المؤسسات الأمنية في عهد بايدن”، بينما طالب أعضاء آخرون بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة “لضمان عدم تكرار مثل هذا الانتهاك”.
اقرأ أيضًا:
البيت الأبيض: محادثات تقنية في مصر حول خطة ترامب بمشاركة ويتكوف وكوشنر
تحقيقات أوسع وتداعيات سياسية
وبحسب مصادر في الكونغرس، يستعد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون لاستدعاء شخصيات بارزة، من بينها المستشار الخاص السابق جاك سميث ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق كريستوفر راي، للإدلاء بشهاداتهم حول ما جرى.

وتشير تسريبات إلى أن القضية قد تتوسع لتشمل مزاعم سابقة حول حصول “إف بي آي” على بيانات هاتفية للرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس، بالإضافة إلى 92 شخصية ومنظمة جمهورية مثل “Turning Point USA”.
تأتي هذه الفضيحة الجديدة لتعمّق الانقسام السياسي داخل الولايات المتحدة في وقت حساس قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومع تصاعد الدعوات داخل الكونغرس لفتح تحقيق مستقل، يرى مراقبون أن قضية “الصقيع القطبي” قد تتحول إلى أزمة دستورية إذا ثبت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي تجاوز صلاحياته، مما يعيد إلى الأذهان أجواء فضيحة ووترغيت التي هزّت البيت الأبيض قبل نصف قرن.