بينما تواصل أوكرانيا معركتها المصيرية ضد العدوان الروسي المستمر منذ 2022، تواجه البلاد تهديدًا داخليًا لا يقل خطورة، تمثّل في فضيحة فساد جديدة طالت ميزانية قوات الدفاع، وأثارت موجة من الجدل داخل البلاد وخارجها، وسط ضغوط أوروبية متزايدة لحماية استقلالية مؤسسات مكافحة الفساد.
مخطط فساد واسع النطاق في قطاع الدفاع
كشف المكتب الوطني الأوكراني لمكافحة الفساد (نابو)، بالتعاون مع مكتب المدعي العام الخاص لمكافحة الفساد (سابو)، عن مخطط فساد كبير تم من خلاله نهب أموال عامة كانت مخصصة لتعزيز القدرات الدفاعية للجيش الأوكراني، بحسب ما أوردته مجلة بوليتيكو الأميركية.

وأوضح البيان الصادر عن الهيئتين أن المخطط تورط فيه عضو في البرلمان الأوكراني، ومسؤولون محليون، وضابط كبير في الحرس الوطني، إلى جانب مدير شركة توريد طائرات مسيرة، إلا أن البيان لم يُفصح عن الأسماء حفاظًا على سرية التحقيقات الجارية.
تفاصيل المخطط.. تضخيم الأسعار ونهب عقود الطائرات المسيرة
بحسب التحقيقات، فإن المتهمين حصلوا بشكل غير قانوني على 30% من قيمة العقود المخصصة لتوريد معدات عسكرية. كما استخدموا آلية مماثلة في شراء طائرات مسيّرة ذاتية الرؤية، حيث تم تضخيم الأسعار عمدًا بهدف تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب جهود الدفاع الوطني.
زيلينسكي: لا تسامح مع الفساد في وقت الحرب
في أول تعليق له على القضية، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المخطط بأنه “غير أخلاقي تمامًا”، وقال في منشور على تطبيق “تيليغرام” إن المتورطين “تم فضحهم لتلقيهم رشاوى”، مؤكدًا أنه “لا مكان للتسامح مع الفساد، خاصة في وقت الحرب”.
وأضاف زيلينسكي: “نحن بحاجة إلى أحكام عادلة، وعمل جماعي واضح من أجل كشف هذه الجرائم، ومؤسسات مكافحة الفساد يجب أن تظل مستقلة وفعالة”.
وشدد الرئيس الأوكراني على أن ضباط القتال فقط هم من سيُسمح لهم بتولي المناصب القيادية في الوحدات اللوجستية للحرس الوطني، في خطوة تهدف إلى تعزيز الكفاءة والشفافية داخل القوات المسلحة.
ضغوط أوروبية واحتجاجات شعبية أجبرت على تعزيز استقلالية مكافحة الفساد
يأتي الكشف عن الفضيحة في أعقاب محاولة حكومية مثيرة للجدل لفرض إشراف المدعي العام المعيّن سياسيًا على مكتب مكافحة الفساد ومكتب المدعي الخاص، وهي الخطوة التي واجهت موجة احتجاجات شعبية حاشدة في شوارع العاصمة كييف، إضافة إلى انتقادات دولية واسعة.
اقرأ أيضًا:
وقد دفعت الضغوط الأوروبية، وخاصة من المفوضية الأوروبية، بالرئيس زيلينسكي إلى التراجع عن هذا التعديل، حيث وقّع يوم الخميس الماضي على مشروع قانون يُعيد الاستقلال الكامل لوكالات مكافحة الفساد، في محاولة لإنقاذ جهود البلاد للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت المفوضية الأوروبية قد حذرت صراحة من أن المساس باستقلالية مؤسسات مكافحة الفساد سيُهدد فرص أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

فساد في زمن الحرب: تحدٍ وجودي للدولة الأوكرانية
تعكس هذه الفضيحة عمق التحديات التي تواجهها أوكرانيا في ظل الحرب المستمرة مع روسيا، إذ تُهدد الفساد الداخلي بإضعاف ثقة الحلفاء الدوليين والمواطنين، في وقت تعتمد فيه البلاد على الدعم الغربي العسكري والاقتصادي لمواصلة الصمود.
ويؤكد مراقبون أن نجاح أوكرانيا في الحرب لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل أيضًا على قدرتها على إصلاح مؤسساتها، ومحاربة الفساد بصرامة، للحفاظ على الدعم الدولي والمصداقية أمام شركائها في الغرب.