ساحة جديدة لصراع الهجرة في بريطانيا مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة للهجرة والتي اجتاحت عدداً من المدن خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسط تحذيرات من اختراقها من قبل جماعات يمينية متطرفة، في مشهد يعكس تصاعد التوترات حول ملف اللجوء والهجرة في البلاد.
ورغم الطابع الشعبي الذي تدّعيه تلك التحركات، إلا أن المعطيات المتوفرة تشير إلى تنسيق منظم تقوده جهات سياسية متطرفة، في مقدمتها حزب “الوطن” اليميني، المنشق عن “البديل الوطني”، والذي يعدّ من أبرز الجماعات المتشددة في بريطانيا.

“فيسبوك” والفنادق… ساحة جديدة لصراع الهجرة
تظهر منشورات على منصات التواصل، وخاصة فيسبوك، كيف أن أعضاء هذا الحزب شاركوا بفاعلية في الدعوة لتنظيم وقفات احتجاجية أمام الفنادق التي تستخدمها الحكومة لإيواء طالبي اللجوء. وقد تم تفعيل مجموعات إلكترونية في مناطق مختلفة بهدف تعبئة الشارع، ونشر شعارات مثل “أوقفوا القوارب” أو “النساء يرتدين الوردي” في إشارة إلى رموز تعبئة محلية.
المدن التي شهدت احتجاجات – ومنها لندن ومانشستر وسوليهل وستيفنيج ودادلي ونورويتش – بدت وكأنها تحولت إلى ساحات مواجهة مفتوحة بين المتظاهرين المناهضين للهجرة ومجموعات مدنية ومناهضة للعنصرية خرجت في مظاهرات مضادة، ما يعكس حالة استقطاب اجتماعي متنامية. وفي بعض المواقع مثل ليفربول، تصاعدت حدة المواجهات إلى حدّ الاعتقالات، حيث ألقي القبض على 11 شخصًا خلال احتجاج قاده حزب استقلال المملكة المتحدة.

اليمين القومي يستغل أزمة اللجوء في بريطانيا
في المقابل، تسعى الحكومة البريطانية إلى تقديم حلول سريعة لاحتواء هذا الغضب المجتمعي، لكنها تفعل ذلك من زاوية أمنية وتشريعية بحتة، دون معالجة جذرية لأسباب التوتر. فقد كشفت “صنداي تايمز” عن اتجاه وزارة الداخلية لتطبيق آلية استئناف عاجلة لتسريع ترحيل من تُرفض طلباتهم، بالتزامن مع إعلان نايجل فاراج، زعيم حزب “إصلاح المملكة المتحدة”، عن خطة لـ”الترحيل الجماعي” للمهاجرين القادمين على متن قوارب صغيرة، في خطاب شعبوي يستند إلى تصعيد الخطاب القومي.
وفي تطور قضائي، أعلن وزير الأمن، دان جارفيس، عن نية الحكومة الطعن في قرار المحكمة العليا الذي منع استخدام فندق “ذا بيل” لإيواء اللاجئين، مؤكداً استمرار وزارة الداخلية في السعي لتوسيع سلطاتها بهذا الصدد، رغم الاعتراضات القضائية.
لكن المخاوف الكبرى لا تكمن فقط في الاحتجاجات أو حتى الإجراءات الحكومية، بل في تغلغل خطاب اليمين المتطرف داخل الاحتجاجات الشعبية. فوفقاً لما كشفته صحيفة “الجارديان”، بات من المؤكد وجود تنسيق مباشر بين أعضاء حزب “الوطن” ومجموعات احتجاجية محلية، خاصة في بلدات مثل إيبينج، حيث تم تداول صور لأعضاء الحزب وهم يشاركون في التظاهرات، بل وينسقون لها إلكترونيًا.
بريطانيا على حافة الانقسام
هذا الاختراق التنظيمي يعزز القلق من أن تتحول معارضة سياسات اللجوء إلى منصة لتطبيع الأفكار المتطرفة داخل المجال العام، لا سيما في ظل تأييد قطاعات من الرأي العام لتوجهات أكثر تشددًا تجاه المهاجرين، وهي بيئة تبدو مواتية لعودة الأحزاب القومية اليمينية إلى دائرة التأثير السياسي.
إن ما يجري في بريطانيا اليوم ليس مجرد خلاف سياسي حول ملف الهجرة، بل هو صراع على هوية المجتمع البريطاني ذاته، تدور رحاه بين قوى تدافع عن التنوع والانفتاح، وأخرى تسعى إلى إعادة تعريف المواطنة على أسس قومية متشددة. والمقلق أن هذه الأخيرة بدأت تكتسب أدوات الحشد والتنظيم، وسط تراجع في نبرة الخطاب الرسمي المعتدل، ما يجعل الأشهر المقبلة مرشحة لمزيد من التصعيد.