في قلب مصانع الطائرات الحربية “بوينج” بولايات ميسوري وإلينوي، حيث تُجمّع البراغي وتُحكم الأجنحة التي ستحلق باسم التفوق الأمريكي، دقّ عمال بوينج ناقوس الإضراب، أكثر من 3200 عامل – من الميكانيكيين إلى فنّيي الفضاء – أوقفوا آلاتهم، رفضًا لاتفاقية عمل مدتها أربع سنوات، مطالبين بما وصفوه بـ”عقد يعترف بكرامتهم ومعيشتهم وخبراتهم”.
المشهد لم يكن مفاجئًا للرابطة الدولية للميكانيكيين وعمال الفضاء، التي دعت أعضائها للتصويت بعد مهلة أسبوع للتفكير. النتيجة كانت قاطعة: رفض العرض المُعدل، رغم أنه تضمّن زيادة في الأجور بنسبة 40%، كما تقول الشركة.

لكن خلف الأرقام، هناك رواية مختلفة يرويها سام سيسينيلي، نائب رئيس الرابطة، بقوله “هؤلاء يصنعون الطائرات التي تحمي البلاد… ويستحقون أكثر من مجرد أرقام على ورق”.
مصانع بوينج
في المقابل، لم تُخفِ بوينج خيبة أملها، وقال دان جيليان، المسؤول عن برنامج “تفوق المجال الجوي”، إن الشركة أطلقت خطة طوارئ لضمان استمرار العمل، في محاولة لاحتواء الأزمة دون إيقاف كامل للإنتاج.
الطائرة المتأثرة هي “إف-47“، المقاتلة الأحدث التي وعدت بإعادة رسم خريطة القوة الجوية. وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – الذي تردد أن تسميتها مستوحاة من رقمه كرئيس الـ47 – بأنها “الأكثر فتكًا وتقدمًا في التاريخ”، وهي المقاتلة التي كانت ستُنهي سنوات من احتكار لوكهيد مارتن لسوق الطائرات الشبحية بطرازيها “إف-22″ و”إف-35”.
لكن هذه اللحظة الحاسمة في مسيرة بوينج، تواجه الآن عاصفة مألوفة. فالشركة التي ما تزال تتعافى من كوارث سابقة – من تحطم طائرتي 737 ماكس، إلى كارثة دريملاينر في يونيو 2025 التي أودت بحياة 260 شخصًا – تواجه خطر تأخير مشروعها الواعد، وسط عمال غاضبين ومطالبات متصاعدة بالعدالة والأمان.
ورغم إعلان الشركة عن تحسن ملحوظ في إيرادات الربع الثاني من عام 2025، وتقليص خسائرها إلى 611 مليون دولار، لا تزال الثقة الداخلية مهزوزة، والإضراب مؤشر واضح على أن الطريق نحو استعادة المجد الجوي الأمريكي لا يُعبّد بالصمت، بل بصوت العمال أيضًا.