في تصريح مثير أعاد إلى الأذهان سنوات الوجود الأميركي في أفغانستان، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن إدارته تسعى إلى استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، القاعدة العسكرية الأكبر التي استخدمتها القوات الأميركية خلال وجودها في البلاد على مدى عقدين.
خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في 18 سبتمبر الجاري، قال ترامب إن إدارته بدأت التفاوض مع حركة طالبان بشأن عودة القوات الأميركية إلى القاعدة الجوية الواقعة شمالي العاصمة كابل.
وأضاف ترامب: “نريد استعادة قاعدة باغرام، لأنهم (طالبان) بحاجة إلى أشياء منّا، إنها تبعد ساعة فقط عن مواقع تصنيع الأسلحة النووية في الصين.”
قاعدة باغرام.. من السوفيت إلى الأميركيين
تقع قاعدة باغرام على بعد نحو 40 كيلومتراً شمالي كابل. وقد شُيّدت في خمسينيات القرن الماضي على يد الاتحاد السوفيتي، قبل أن تتحول لاحقاً إلى أكبر قاعدة عسكرية أميركية في أفغانستان طوال فترة التدخل الأميركي (2001 – 2021)، وبعد الانسحاب الأميركي الفوضوي عام 2021، سيطرت طالبان على القاعدة ضمن عودة كاملة لسيطرتها على البلاد.
ورغم أن ترامب لم يكشف تفاصيل ما تحتاجه طالبان من الولايات المتحدة، فإن تصريحاته تُعد أول اعتراف علني بإمكانية عودة واشنطن لاستخدام أصولها العسكرية السابقة في أفغانستان.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال أن مسؤولين أميركيين يجرون بالفعل محادثات غير معلنة مع طالبان بشأن إمكانية استخدام قاعدة باغرام كنقطة انطلاق لعمليات مكافحة الإرهاب.

البُعد الصيني في خطاب ترامب
ركز ترامب على الأهمية الاستراتيجية للقاعدة لقربها النسبي من الأراضي الصينية، لافتا إلى أن موقعها يمنح واشنطن ميزة لوجستية لمراقبة النشاط النووي الصيني.
لكن تقارير متخصصة لفتت إلى أن المسافة بين باغرام وموقع “لوب نور” النووي في شينجيانغ الصيني تتجاوز 2000 كيلومتر، وأن منشآت الإنتاج الرئيسية للأسلحة النووية تقع في عمق الأراضي الصينية، بعيداً عن أي مدى مباشر من القاعدة.
ورغم المبالغات في تقدير المسافة، فإن قلق ترامب من تنامي القدرات النووية الصينية ليس بلا أساس، فقد أكدت تقارير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الصين رفعت ترسانتها النووية إلى نحو 600 رأس نووي بحلول منتصف 2024، بزيادة سنوية تقدر بـ 20 بالمئة، ما يثير مخاوف أميركية متزايدة بشأن ميزان القوى الاستراتيجي.
اقرأ أيضًا:
مراسم تأبين تشارلي كيرك.. ترامب وفانس يشاركان وسط حضور جماهيري وأمني
موقف طالبان وردها العلني
في المقابل، نفت طالبان نيتها السماح بعودة القوات الأميركية إلى الأراضي الأفغانية. وقال زُكير جلالي، مسؤول في وزارة خارجية طالبان، عبر منصات التواصل: “الشعب الأفغاني لم يقبل أبداً وجود قوات أجنبية على أرضه، لكن سبل العلاقات السياسية والاقتصادية لا تزال مفتوحة.”
وحتى الآن، لم يصدر عن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية أي تعليق رسمي بشأن تصريحات ترامب، لكن المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، قال: “نحن نراجع دائماً السيناريوهات المختلفة على مستوى العالم، ومستعدون لتنفيذ أي مهمة تُطلب منا من قبل الرئيس.”
جدير بالذكر أن إثارة ترامب لملف قاعدة باغرام في أفغانستان تمثل تطوراً لافتاً قد يعيد إشعال الجدل حول مستقبل الدور العسكري الأميركي في المنطقة، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من التوسع النووي الصيني، وبينما تبدي طالبان رفضاً قاطعاً لعودة القوات الأميركية، تبقى المفاوضات الجارية خلف الكواليس مؤشراً على أن أفغانستان قد تعود مجدداً إلى واجهة الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين.