أعلنت وزارة الدفاع الصينية، اليوم الجمعة، فتح تحقيقات واسعة في تهم فساد بحق الجنرال هي ويدونغ، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، إلى جانب ثمانية مسؤولين عسكريين آخرين، في خطوة جديدة ضمن الحملة الصارمة التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ ضد الفساد في مؤسسات الدولة والجيش.
ويُعدّ هؤلاء آخر المنضمين إلى سلسلة طويلة من كبار الضباط الذين شملتهم حملة مكافحة الفساد التي طالت الأوساط العسكرية والمدنية على حد سواء، منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة عام 2012.

اختفاء طويل للجنرال هي ويدونغ قبل إعلان الإقالة
أثار اختفاء الجنرال هي ويدونغ عن الظهور العلني خلال الأشهر الماضية تساؤلات عديدة حول مصيره، خاصة بعد غيابه اللافت عن العرض العسكري الكبير في بكين، الذي أقيم في 3 سبتمبر/أيلول الماضي بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية والانتصار على اليابان.
وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية قد ذكرت في أبريل/نيسان الماضي أن الجنرال الصيني اعتُقل وأقيل من منصبه في وقت سابق، غير أن السلطات لم تؤكد هذه المعلومات حينها، قبل أن يأتي إعلان وزارة الدفاع اليوم ليضع حداً للتكهنات ويؤكد إقالته رسميًا من صفوف الجيش.
هي ويدونغ.. ثالث أعلى مسؤول عسكري في الصين
يُعتبر الجنرال هي ويدونغ أحد أبرز القيادات العسكرية في الصين خلال العقد الأخير، إذ شغل منصب نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وهي الهيئة الأعلى في قيادة جيش التحرير الشعبي الصيني، ما يجعله ثالث أعلى مسؤول عسكري في البلاد بعد الرئيس شي جين بينغ ووزير الدفاع.

وبحسب وكالة “فرانس برس”، فإن مكانة هي ويدونغ في هرم المؤسسة العسكرية جعلت من قضيته أكبر فضيحة فساد عسكرية منذ سنوات، ما يعكس جدية الحملة التي يقودها الرئيس الصيني داخل صفوف الجيش.
وزارة الدفاع: العقوبات تؤكد تصميم الحزب على مكافحة الفساد
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تشانغ شياوغانغ، في بيان رسمي، إنّ “الضباط التسعة أُقيلوا من صفوف الجيش”، مضيفًا أنّ “الجنرال هي ويدونغ وسبعة آخرين طُردوا كذلك من عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني”.
وأوضح المتحدث أن العقوبات الصارمة المفروضة على هؤلاء المسؤولين “تعكس مجددًا التصميم الثابت للجنة المركزية للحزب واللجنة العسكرية المركزية على مكافحة الفساد وحماية نزاهة الجيش الصيني”.
قضايا فساد متكررة في المؤسسة العسكرية بالـ الصين
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها في المؤسسة العسكرية الصينية، إذ سبق أن أعلنت وكالة “شينخوا” الرسمية في يونيو/حزيران الماضي إقالة الأميرال مياو هوا من منصبه بسبب ما وصفته بـ”انتهاكات خطيرة للانضباط”، وهي عبارة تُستخدم عادة للإشارة إلى قضايا فساد أو ضعف الولاء السياسي داخل الحزب والجيش.
وتشير تقارير إلى أن الحملة الأخيرة تستهدف بالأساس ضباطًا كبارًا في سلاح الصواريخ والقوات الجوية، وهي أفرع استراتيجية في جيش التحرير الشعبي الصيني، في إطار ما وصفته بكين بـ”تنظيف البيت الداخلي” وضمان الولاء الكامل لقيادة الحزب.
شي جين بينغ وحملة لا تهدأ ضد الفساد
منذ توليه السلطة في عام 2012، جعل الرئيس شي جين بينغ من محاربة الفساد محورًا أساسيًا في سياسته الداخلية، معتبرًا أن “الفساد أكبر تهديد لبقاء الحزب الشيوعي الصيني”.
وقد شملت حملته آلاف المسؤولين المدنيين والعسكريين، من مستويات رفيعة إلى متوسطة، ما أدى إلى تطهير شامل لأجهزة الدولة في مختلف القطاعات.
ويرى مؤيدو الحملة أنها تعزز النزاهة والانضباط داخل الحزب والدولة، بينما يعتبرها منتقدون وسيلة لإقصاء الخصوم السياسيين المحتملين وتعزيز قبضة الرئيس شي جين بينغ على السلطة.

توقيت حساس قبل اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي
تأتي هذه التطورات قبل ثلاثة أيام فقط من انعقاد الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وهو اجتماع سياسي رفيع المستوى يُعقد كل بضع سنوات ويستمر أربعة أيام.
ومن المقرر أن يتم خلال الاجتماع تحديد الإطار العام للأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلاد للفترة ما بين عامي 2026 و2030، بما في ذلك إصلاحات داخل المؤسسة العسكرية وتعزيز الرقابة الحزبية.
ويرى محللون أن الإعلان عن هذه التحقيقات في هذا التوقيت “يرسل رسالة واضحة مفادها أن مكافحة الفساد ستظل أولوية قصوى في المرحلة المقبلة، وأن لا أحد فوق القانون، مهما كان موقعه داخل الدولة أو الجيش”.
اقرأ أيضًا:
واشنطن بوست: الانقسام الداخلي يهدد “الإمبراطورية الأميركية” أكثر من أعدائها الخارجيين
انعكاسات داخلية ودولية
ويرجّح مراقبون أن تؤدي هذه التحقيقات إلى تغييرات واسعة في هيكل القيادة العسكرية الصينية، وربما إلى إعادة تشكيل الولاءات داخل الحزب والجيش، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي وتايوان.
كما يرى خبراء أن حملة التطهير الحالية تمثل أيضًا رسالة للخارج، تؤكد أن شي جين بينغ يعتزم الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية وتعزيز سيطرته الكاملة على مفاصل الدولة قبيل أي مواجهات استراتيجية محتملة مع الغرب.
