يعتقد علماء الآثار في مصر أنهم اكتشفوا أقدم كتاب مصور في العالم، وهو دليل مصري قديم للحياة الآخرة.
«كنوز مصر القديمة»
في مصر القديمة، كان الناس على يقين بأنه بعد انتهاء الحياة البشرية، ينتظرهم شيء آخر – شيء مختلف، شيء آخر، شيء جديد. ولكن كان عليهم أن يعرفوا كيفية السفر إلى هناك، إلى عالم وصحبة الإله الذي ينتظرهم، أوزوريس، إله الآخرة.
كانوا على يقين بأنه كان مستعدًا لاستقبالهم بمجرد وصولهم إلى روستاو، المكان الروحي حيث قد يصبحون، ربما، كائنات جديدة.
لكن الوصول إلى هناك لم يكن بالمهمة السهلة، وكان المصريون يعتقدون أن كتب الصور، نوعًا ما، ستساعدهم على القيام بهذه الرحلة. ليست كتب الصور الحديثة التي نعرفها ونفهمها، بل الصور والنصوص التي كانت تصطف على التوابيت القديمة وترشد الموتى حديثًا.
ما يحدث بعد الحياة المادية أبهر شعب مصر القديمة تمامًا كما أبهرهم الوجود البشري الواعي. كانوا يعتبرون الحياة الآخرة مجرد مستوى روحي مختلف، وللسفر إليها، كانت هناك حاجة إلى دليل إرشادي.
سُمي هذا الدليل “كتاب الطريقين”، وكان يحتوي على خرائط للعالم السفلي. يقول الخبراء إنه عُثر مؤخرًا على قطعة من إحدى نسخ هذا الكتاب، التي عُثر عليها عام ٢٠١٢ أثناء تنقيب في دير البرشا، في تابوت كان علماء الآثار قد أغفلوه سابقًا ولم يُدنسه لصوص القبور.
جدران الأرز للتابوت
تظهر النصوص والصور على جوانب التابوت. ووفقًا لرئيس الفريق الذي قام بالاكتشاف، الدكتور هاركو ويليمز من جامعة لوفين في بلجيكا، فإن النص كان يهدف إلى “وضع المتوفى في عالم الآلهة”، كما أوضح في مقابلة حديثة مع موقع سميثسونيان ماج الإخباري.
وأضاف: “أحيانًا تُدمج مع الرسومات. في دير البرشا، كثيرًا ما يُصادف المرء “كتاب الطريقين”. تعود المقبرة المكتشفة إلى امرأة تُدعى عنخ، على الرغم من أن نص التابوت مكتوب كما لو أن “المسافر” رجل، وهو النهج الشائع في كتابات الحياة الآخرة في مصر القديمة. ويرأس ويليمز فريق التنقيب في دير البرشا منذ عام ٢٠٠١.
لا يوجد سوى ٢٤ نسخة من “كتاب الطريقين”، ويقول الخبراء إن النسخة التي عُثر عليها مؤخرًا هي الأقدم – عمرها ٤٠٠٠ عام. بل يعتقد الخبراء أن هذا أقدم كتاب مصور موجود حاليًا.
كُتب النص على جدران الأرز للتابوت المُنقّب، ووُجد في بئر دفن لم يُستكشف من قبل. ويقول علماء الآثار وخبراء آخرون إن هذه طقوس تتماشى مع شغف مصر القديمة بالحياة الآخرة وتفانيها فيها.
وقالت ريتا لوكاريلي، أمينة علم المصريات بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، في مقابلة حديثة مع صحيفة نيويورك تايمز: “كان المصريون القدماء مهووسين بالحياة بجميع أشكالها. كان الموت بالنسبة لهم حياة جديدة”.
وأوضح ويليمز أن كتاب كل شخص كان مختلفًا، ويتنوع وفقًا لثروته ومكانته الاجتماعية. وأضاف لصحيفة التايمز: “يبدأ هذا الكتاب بنص مُحاط بخط أحمر يُسمى “حلقة النار”. يتحدث النص عن إله الشمس (رع) وهو يمر بهذه الحلقة النارية الواقية ليصل إلى أوزوريس”.
جدران التوابيت التي عُثر عليها في البئر
بالإضافة إلى جدران التوابيت التي عُثر عليها في البئر، عثر ويليمز وفريقه على جذع بدون ذراعين أو ساقين، ورأس مومياء مُحنط، ومصلى بقاعة داخلية مستطيلة.
وفي المجمل، كان هذا اكتشافًا رائعًا بالنظر إلى أن علماء آثار آخرين قد سبروا الموقع لكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى البئر الذي عثر فيه فريق ويليمز على قبر عنخ.
يتنافس علماء الآثار فيما بينهم – بروح طيبة بلا شك – للعثور على ما يمكن العثور عليه من آثار مصر القديمة التي لا تزال مخفية.
نشر ويليمز نتائجه وحظيت بإشادة واسعة، ولكن يُشاع أن كتابًا آخر أقدم، وهو “كتاب الطريقين”، سيُعلن عنه قريبًا. من يدري، ربما لم يُعثر بعد على أقدم كتاب مصور في العالم. لكن في الوقت الحالي، يتصدر هذا الاكتشاف في غوا المشهد.
لم ينشر عالم المصريات المعني، وائل الشربيني، أعماله بعد، لذا تعجّ المهنة بالحديث دون أدلة حتى الآن. ومع ذلك، فإن هذه الروح التنافسية الودية هي ما يدفعهم جزئيًا إلى الاستمرار، في بحث دائم عن كنوز جديدة، وقطع أثرية جديدة، وفي نهاية المطاف، عن معارف جديدة.
