لماذا تعيش النساء أطول من الرجال؟ هو سؤال راود العديد من العلماء على مدار القرن الماضي والذي شهد تفاوت كبير في متوسط عمر النساء والرجال. ففي الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة، كانت النساء تعيش أطول من الرجال، وتظهر الفجوة العمرية بين الجنسين اتساعًا في بعض البلدان عن غيرها.
لماذا تعيش النساء أطول من الرجال؟
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تزايدت هذه الفجوة، حيث بلغ متوسط العمر المتوقع للنساء 79.1 عامًا مقابل 73.2 عامًا للرجال بعد جائحة كوفيد-19، وهي أوسع فجوة منذ عام 1996.
وتظهر الفجوة أيضًا في دول أخرى؛ ففي فرنسا، يبلغ متوسط العمر المتوقع للنساء 85.5 عامًا مقابل 79.4 عامًا للرجال، وفي تايوان، 84.4 عامًا للنساء مقارنة بـ77.8 عامًا للرجال.

وتعود هذه الفجوة إلى عدة عوامل تتراوح بين الاختلافات السلوكية والجينية إلى معدلات وفيات الرضع. كما تلعب الفروقات في أنماط الحياة، ومستويات التعليم، والحصول على الرعاية الصحية، دورًا بارزًا في تعزيز طول عمر النساء مقارنة بالرجال والتي تبدأ منذ الولادة.
معدلات وفيات الرضع بين الأولاد والفتيات
يبدأ التفاوت في العمر المتوقع منذ الولادة. فالأطفال الذكور حديثو الولادة أكثر عرضة للولادة المبكرة، كما يسجلون معدلات وفيات أعلى خلال الأسبوع الأول من حياتهم مقارنة بالفتيات.
وتعود هذه الظاهرة جزئيًا إلى الاختلافات الجينية؛ فالإناث يمتلكن كروموسومين X، مما يمنحهن حماية إضافية من بعض الحالات الوراثية، مثل الهيموفيليا.
أما الذكور، فلديهم كروموسوم X واحد وآخر Y، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الأطفال الذكور من ضعف في الجهاز المناعي، مما يزيد من تعرضهم للأمراض المعدية وحدتها.

الشباب الذكور عرضة للموت أكثر من الإناث
مع تقدم العمر والوصول إلى مرحلة المراهقة والشباب، يظل الرجال أكثر عرضة للوفاة بسبب أسباب خارجية مثل الحوادث، والعنف، والانتحار. بين الفئة العمرية 15-25 عامًا، تكون معدلات الوفيات أعلى بشكل ملحوظ لدى الذكور مقارنة بالإناث، وهذا النمط يستمر إلى ما بعد هذه المرحلة العمرية.
ويرتبط ذلك جزئيًا بارتفاع مستويات هرمون التستوستيرون، الذي يؤثر على السلوك ويزيد من احتمالات التعرض للمخاطر. كما تلعب التوقعات الاجتماعية والثقافية دورًا كبيرًا؛ ففي العديد من الثقافات، يُشجَّع الذكور على خوض المخاطر والقيام بسلوكيات جريئة تُعد “ذكورية”.
وفي الوقت نفسه يتم تحذير الفتيات من الإقدام على أية مخاطر، ويوصى بهن لتوخي الحذر. وتظهر هذه الفروق أيضًا في معدلات الحوادث؛ فمثلًا، في الولايات المتحدة، يكون السائقون الذكور المراهقون أكثر عرضة للوفاة أثناء القيادة بثلاثة أضعاف مقارنة بالسائقات المراهقات.

الرجال أكثر عرضة للموت في سن الشيخوخة
تظل الفجوة في متوسط العمر المتوقع قائمة حتى في مراحل الشيخوخة. فمع تقدم العمر، ترتفع معدلات الوفيات بين الرجال بشكل أكبر مقارنة بالنساء بسبب أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي. وتعد أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفاة لدى كبار السن، وهي أكثر شيوعًا بين الرجال.
إضافة إلى ذلك، تُساهم الفروقات في أنماط الحياة مثل التدخين، وشرب الكحول، وتعاطي المخدرات في ارتفاع معدلات الوفاة بين الرجال. كما أن الرجال أكثر انخراطًا في وظائف تنطوي على مخاطر مهنية عالية مثل البناء، والصناعات الثقيلة، والجيش، مما يزيد من احتمالات تعرضهم للحوادث المهنية القاتلة.
اقرأ أيضًا:
لماذا يأكل اليابانيون على الأرض؟.. 5 أسرار علمية أغربها «إطالة العمر»

الفجوة العمرية بين الجنسين في العصر الحديث
في البلدان المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، تعيش النساء أطول من الرجال. ويمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال عوامل تتعلق بأنماط الحياة، مثل انخفاض استهلاك النساء للكحول والتبغ مقارنة بالرجال. كما أثرت جائحة كوفيد-19 بشكل واضح على هذه الفجوة؛ حيث أثبتت الدراسات أن الرجال كانوا أكثر عرضة للمعاناة من أعراض حادة للفيروس.
ومع ذلك، تتقلص الفجوة العمرية في بعض الحالات، خاصة بين الرجال الذين يتمتعون بمستويات تعليمية أعلى وثراء أكبر. وتوفر الموارد، مثل التغذية الجيدة والرعاية الصحية المتقدمة، لهؤلاء الأفراد فرصًا أكبر لتحسين نمط حياتهم، مما يقلل من الفارق في متوسط العمر المتوقع بينهم وبين النساء.
ويعكس التفاوت في متوسط العمر المتوقع بين الجنسين عوامل جينية، وسلوكية، واجتماعية، واقتصادية. رغم أن النساء يعشن أطول بشكل عام، يمكن أن تساعد تحسينات في الوصول إلى الرعاية الصحية، والتعليم، وتحسين أنماط الحياة في تقليل هذه الفجوة، مما يبرز الدور الكبير للوعي بالصحة العامة في تعزيز طول العمر.