في حدث تاريخي يسلّط الضوء على النضال من أجل الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، فازت زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو اليوم الجمعة بـ جائزة نوبل للسلام 2025، تقديرًا لجهودها في تعزيز الحقوق الديمقراطية، ودفاعها المستمر عن التحول السلمي في بلادها التي تعاني أزمة سياسية واقتصادية خانقة.
وأعلنت لجنة نوبل النرويجية أن اختيار ماتشادو جاء “تكريماً لصمودها في وجه القمع، وإيمانها بإمكانية تحقيق التغيير عبر الوسائل السلمية”، معتبرةً أن “نضالها يجسّد روح نوبل في الدفاع عن الكرامة والحرية”.
من هي ماريا كورينا ماتشادو
وُلدت ماريا كورينا ماتشادو في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 1967 في العاصمة كاراكاس، لعائلة تنتمي إلى الطبقة الثرية؛ فوالدها كان من أبرز رجال صناعة الصلب في فنزويلا.
درست الهندسة الصناعية، لكنها سرعان ما اتجهت إلى العمل العام، مؤمنةً بضرورة بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تعيد التوازن للبلاد.
ورغم خلفيتها الاجتماعية الراقية، أصبحت هدفاً لهجمات الحزب الاشتراكي الحاكم، الذي اتهمها بـ”خدمة مصالح النخبة الاقتصادية” على حساب الفقراء.
فوز كاسح في الانتخابات التمهيدية… ثم المنع من الترشح
سطع نجم ماريا كورينا ماتشادو في الانتخابات التمهيدية للمعارضة عام 2023، حين حققت فوزاً ساحقاً واجتذبت حشوداً ضخمة في تجمعاتها، ما أثار قلق حكومة نيكولاس مادورو.
غير أن السلطات الانتخابية سارعت إلى منعها من تولي المناصب العامة، ما حال دون مشاركتها في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وبعد إعلان فوز مادورو بولاية جديدة — دون نشر نتائج تفصيلية — اختفت ماتشادو عن الأنظار، قبل أن تعود للظهور في احتجاج قصير قبيل تنصيب الرئيس، حيث اعتُقلت مؤقتاً ثم أُفرج عنها لاحقاً.
رؤية اقتصادية ليبرالية وبرامج اجتماعية للفقراء
تتبنى ماريا كورينا ماتشادو رؤية اقتصادية ليبرالية تدعو إلى خصخصة الشركات الحكومية، وعلى رأسها شركة النفط الوطنية، معتبرةً أن ذلك هو الطريق لإعادة بناء الاقتصاد المنهار.
وفي الوقت نفسه، تشدد على ضرورة تأسيس برامج رعاية اجتماعية مستدامة تستهدف الفئات الأكثر فقراً، في محاولة للجمع بين التحرر الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
وتؤكد في خطابها الدائم أن “فنزويلا لن تنهض إلا إذا استعاد مواطنوها الثقة في أن صوتهم له قيمة، وأن ثمار الإصلاح تعود على الجميع”.

مواجهة القمع والعزلة السياسية
دفعت ماريا كورينا ماتشادو ثمناً باهظاً لنشاطها السياسي، إذ تعرّض معظم مساعديها وكبار مستشاريها للاعتقال أو النفي، ما جعلها تعيش فترات طويلة في عزلة شبه تامة، ورغم ذلك، واصلت توجيه رسائلها للشعب عبر المنصات الرقمية، متهمةً إدارة مادورو بأنها “تعمل كعصابة مافيا إجرامية”، تستغل مؤسسات الدولة لقمع المعارضة وإسكات الأصوات الحرة.
اقرأ أيضًا:
عودة الحياة لـ غزة بعد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ومشاهد مؤثرة للنازحين العائدين
نضال جماعي من أجل الخلاص والوحدة
على الرغم من الانتقادات التي طالتها — حتى من داخل عائلتها أحياناً — بسبب ثقتها المفرطة بنفسها، فإن ماتشادو ظلت ترفض تصوير معركتها على أنها شخصية.
تُقدّم نفسها دائماً كجزء من نضال جماعي يسعى إلى “الخلاص الوطني”، مؤكدة أن هدفها الأساسي هو بث الأمل في قلوب الفنزويليين الذين أنهكتهم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتقول في أحد تصريحاتها: “لسنا نحلم فقط بفنزويلا جديدة، نحن نبنيها بأيدينا رغم القمع والخوف.”
وتأتي جائزة نوبل للسلام تتويجاً لمسيرة استمرت أكثر من عقدين من النضال السلمي والمقاومة المدنية في وجه نظام سلطوي.
ولاقت الجائزة ترحيباً واسعاً من قادة العالم والمنظمات الحقوقية، الذين اعتبروها “انتصاراً للديمقراطية في أمريكا اللاتينية” ورسالة دعم لكل من يناضل سلمياً من أجل الحرية.