الزهد في اللغة: هو قِلّة الشَّيء واحتقاره. وعند أهل الإصطلاح: هو صرف النظر عن الدنيا، ونهي النفس عن أغراضها وصفاء القلب من مطامعها. يقول أبو العتاهية : أنساك محياك المماتا فطليت في الدنيا النباتا أوثقت بالدنيا وأنت ترى جماعتها شتاتا وعزمت منك على الحياة وطولها عزما بتاتا يا من رأى أبويه في ما قد رأى كانا فماتا وللزهددرجات وعلامات يعرفها الزاهدين ومن تركوا مغريات الدنيا وانشغلوا بما هو أثمن وأرقى. فمن درجات الزهد ترك الإنسان لأهواء النفس وزينة الدنيا مع تعلق قلبه بها وهذه عند الزاهدين أقل الدرجات وبداية الطريق ومنها أن يترك المرء الدنيا وفي اعتقاده أنه لم يترك شيئا، لأن الدنيا في نظره لا تساوي أي قيمة وهذه قمة درجات الزهد وقد قال الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه “إحياء علوم الدين”: أن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام: “إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين”. وقال عيسى بن مريم عليه السلام: “إدامي الجوع وشعاري الخوف ولباسي الصوف وصلائي في الشتاء في مشارق الشمس وسراجي القمر ودابتي رجلاي وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض، أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على الأرض أحد أغنى مني” ومن علامات الزهد عزيزي القارئ ألا يفرح الإنسان بما يكسب من الدنيا ومتاعها، وأن يتعلق قلبه بالحياة الآخرة، ومن أكبر علامات الزهد أن الزاهد إن صدق تكون عبادته في الخفاء وأن يكون خفاء العبادة عن الناس عنده خير من إعلانها. والزهد من علامات أهل التصوف وهو الإنتاج العملي للفكر الصوفي وقد كان الإمام “محمد بن سيرين” من أعلام المتصوفين الزهاد، وهو الذي ضرب أروع الأمثلة في زهده إذ قال: “وإني لأرى المرأة في منامي فأعلم أنها لا تحل لي فأغض الطرف عنها”، ويقول ابن القيم رحمه الله في “مدارج السالكين”: إن الزهد لهو عزوف النفس عن الدنيا دون تكلف. ويحكى أن آدم بن عبد العزيز الأموي، وقد كان فاسقا ماجنًا منهمكا في شرب الخمر، وكان صديق دربه يعقوب بن الربيع أخا الفضل بن الربيع، وكان يعقوب أيضا من أهل الخلاعة والمجون، ثم تاب آدم بن عبد العزيز ونَسَك واتخذ طريق الزهد في حياته، وقد استأذن يومًا على يعقوب بن الربيع وكان يشرب، فقال يعقوب: ارفعوا الشراب، فإن هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يحضره، فرُفع الشراب وأذن له، فلما دخل آدم قال: إني لأجد ريح يوسف، فقال يعقوب: هو الذي وجدت، ولكنا ظننا أن يثقل عليك لتركك له، قال: إي والله إنه ليثقل علي ذاك، فقال له يعقوب: هل قلت في ذلك شيئا منذ زهدته؟ قال نعم، وأنشد: ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر ليجزيه عن صبره الغد قادر شربت فلما قيل ليس بنازع نزعت وثوبي من أذى اللوم طاهر وختاما فإن الشاعر أبي نواس وهو من هو، رغم مجونه قد كتب بابا في ديوانه الشهير أسماه “باب الزهد” وأنشد فيه: إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل خلوت، ولكن قل: عليَّ رقيب ولا تحسبنَّ الله يغفل ما مضى ولا أن ما تُخفي عليه يغيب لهونا عن الأيام حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى