في خطوة غير مسبوقة تُعيد رسم ملامح التجارة الزراعية العالمية، يدخل الاتحاد الأوروبي عام 2026 بلائحة تنظيمية صارمة تحظر استيراد منتجات مرتبطة بإزالة الغابات، وعلى رأسها القهوة، واعتبارًا من هذا التاريخ، سيتوجب على الشركات الراغبة في دخول السوق الأوروبية تقديم أدلة موثقة تُثبت أن منتجاتها مصدرها مزارع خالية تمامًا من أي أنشطة لإزالة الغطاء الغابي، وذلك باستخدام أدوات دقيقة مثل تحديد المواقع الجغرافية وصور الأقمار الصناعية.
أوروبا تغيّر قواعد لعبة القهوة
ويمثل التحول التنظيمي نقلة نوعية في آليات التجارة الدولية، حيث لم تعد المعايير البيئية مجرد توصيات، بل أصبحت شرطًا حاسمًا لنفاذ السلع إلى أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، فالقانون لا يستهدف القهوة وحدها، بل يشمل أيضًا الكاكاو، زيت النخيل، وفول الصويا، في محاولة جادة للحد من دور الاستهلاك الأوروبي في تفاقم أزمة إزالة الغابات عالميًا.
غير أن هذا التشريع، رغم أهميته البيئية، يضع ملايين المزارعين الصغار في دول الجنوب العالمي أمام تحدٍّ وجودي، إذ تفتقر شريحة واسعة منهم إلى الموارد والمعرفة التقنية للامتثال للمتطلبات الجديدة، وفي المقابل، تتعزز الهيمنة المحتملة للشركات الكبرى القادرة على تلبية هذه المعايير بكفاءة، مما قد يكرّس فجوة عدم المساواة داخل سلاسل التوريد.

يأتي هذا الإجراء في إطار سعي الاتحاد الأوروبي للحد من بصمته البيئية وتقليص دوره في تدمير الغطاء الغابي العالمي، لا سيما في دول تُعد من أكبر منتجي هذه السلع مثل البرازيل وإثيوبيا، حيث أدى التوسع الزراعي إلى فقدان مساحات شاسعة من الغابات، ورغم أهمية هذا التشريع من الناحية البيئية، فإنه يطرح تحديات كبيرة، خصوصًا للمزارعين الصغار الذين قد يعجزون عن تحمل الأعباء التقنية والمالية لتتبع سلسلة التوريد، مما يهدد بإقصائهم من السوق الأوروبية.

مزاجك في أمان صحي
في المقابل، قد تستفيد الشركات الكبرى من هذا الوضع نظرًا لامتلاكها البنية التحتية اللازمة للامتثال للمعايير الجديدة، مما يمنحها تفوقًا تنافسيًا واضحًا. وعلى الصعيد العالمي، قد يؤدي هذا التحول إلى إعادة رسم خريطة تجارة القهوة، مع توجيه الحبوب “غير الموثقة بيئيًا” نحو أسواق بديلة مثل الولايات المتحدة وآسيا، بينما تُمنح الأفضلية للحبوب القابلة للتتبع بيئيًا داخل أوروبا.

وبينما يركز التشريع على حماية البيئة وتقليل الانبعاثات الكربونية، يكمن التحدي الأكبر في تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على الغابات وضمان استمرار معيشة ملايين المزارعين الذين يشكلون العمود الفقري لصناعة القهوة العالمية.