أعلن فريق دولي من الباحثين عن إنجاز علمي قد يغير مستقبل علاج السرطان، بعد اكتشافهم “مفاتيح” جزيئية تتيح إعادة برمجة الخلايا العادية لتتحول إلى خلايا مناعية متغصنة فائقة الفعالية، قادرة على التعرف على الأورام السرطانية ومهاجمتها بدقة.
الدراسة التي نشرتها مجلة Immunity سلطت الضوء على إمكانية استخدام هذا الاكتشاف في تطوير علاجات مناعية أكثر تخصيصاً وكفاءة، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في محاربة الأمراض المستعصية.
آلية إعادة البرمجة
ركز البحث على الخلايا المتغصنة، وهي نوع خاص من خلايا الدم البيضاء يلعب دوراً محورياً في تنشيط الجهاز المناعي واستهداف التهديدات سواء كانت فيروسات أو بكتيريا أو أورام سرطانية.
وقام العلماء بوضع خريطة منهجية لمسارات تكوين هذه الخلايا، ليحددوا مجموعتين من العوامل الجزيئية التي تعمل كمفاتيح لإعادة برمجة خلايا الجلد أو الخلايا السرطانية وتحويلها إلى خلايا متغصنة فعّالة.
وأظهر التحليل الجيني المتقدم أن هذه العوامل قادرة على فتح أجزاء محددة من الجينوم في مراحل مبكرة، وبالتالي تحديد مصير الخلية الجديدة بشكل دقيق.
ووفقاً للبروفيسور فيليبي بيريرا من جامعة لوند، قائد الدراسة، فإن الفريق تمكن من تحديد تركيبتين مكونتين من ثلاثة عوامل جزيئية تصلح لإنشاء نوعين من الخلايا المتغصنة: الخلايا الكلاسيكية من النوع الثاني والخلايا البلازماوية، وهما نوعان أساسيان في استجابة الجهاز المناعي.
تجارب واعدة على السرطان
ولإثبات فاعلية هذه الخلايا، أجرى الفريق تجارب على فئران مصابة بالسرطان، حيث أظهرت النتائج أن أحد النوعين المستحدثين من الخلايا المتغصنة أثار استجابة مناعية قوية ضد سرطان الميلانوما (سرطان الجلد)، بينما أثار النوع الآخر استجابة فعّالة ضد سرطان الثدي.
وجاءت هذه الاستجابات مشابهة لتلك التي تحققها الخلايا الطبيعية في الجسم، ما يشير إلى أن هذه الطريقة قد تمثل قاعدة لتطوير علاجات مناعية متخصصة يمكن توجيهها حسب نوع الورم.
وأكد بيريرا أن العلاج المناعي يمثل أحد أهم الاتجاهات الحديثة في الطب، لكن نسبة كبيرة من المرضى لا تستجيب له، بينما يفتح هذا الاكتشاف المجال أمام تكييف الاستجابة المناعية لتلائم كل حالة مرضية على حدة.
آفاق مستقبلية واستخدامات جديدة
رغم أن الدراسة ما زالت في مراحلها الأولى، إلا أن الباحثين يرون أن إمكاناتها مذهلة، ليس فقط في علاج السرطان، بل أيضاً في التعامل مع أمراض المناعة الذاتية، حيث يمكن إعادة برمجة بعض الخلايا المتغصنة لتثبيط فرط نشاط الجهاز المناعي، ما قد يساعد في علاج أمراض يهاجم فيها الجسم أنسجته السليمة.
ويعتبر هذا الإنجاز خطوة أولى نحو علاجات شخصية دقيقة تعتمد على تصميم استجابة مناعية متكاملة، وهو ما قد يغيّر قواعد اللعبة في الطب الحديث خلال السنوات المقبلة.
اقرأ ايضًا…النوم ليس راحة فقط.. بل ضرورة بيولوجية تختلف باختلاف العمر