رغم الضغوط الداخلية التي يواجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واحتمال سقوط حكومته في البرلمان، يواصل التركيز على الملفات الدولية وعلى رأسها الحرب الأوكرانية، إلى جانب الحرب الإسرائيلية في غزة.
وفي هذا السياق، استضاف مساء الأربعاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع تمهيدي، عشية القمة الموسعة لتحالف «الراغبين» الذي يضم أكثر من 30 دولة أغلبها أوروبية، إضافة إلى كندا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.
الاجتماع الذي يُعقد في قصر الإليزيه يديره ماكرون بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بحضور المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وأمين عام حلف الناتو مارك روته، فيما يشارك باقي القادة عن بُعد، على أن يتوج باتصال جماعي مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
تحفظات إيطالية وألمانية تعرقل الإجماع
ورغم الحماسة الأوروبية لدعم كييف، فإن الانقسامات لا تخفى، خصوصاً بين القوى الكبرى. رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قررت المشاركة عن بُعد، مؤكدة تحفظها على فكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا ضمن ما يُسمى «الضمانات الأمنية».
ميلوني شددت على أن أي خطوة من هذا النوع يجب أن تتم تحت راية الأمم المتحدة، معتبرة أن الحديث عن إرسال قوات في وقت يخوض فيه جيشان يضم كل منهما نحو مليون جندي حرباً ضروساً، أمر «مبكر وغير واقعي».
من جانبها، عبّرت ألمانيا أيضاً عن تحفظاتها، إذ رفض المستشار ميرتس تصريحات فون دير لاين التي تحدثت عن خطة أوروبية دقيقة لنشر قوة متعددة الجنسيات بدعم أميركي.
ميرتس أكد أن الاتحاد الأوروبي «غير مختص» بهذا الملف وأن ألمانيا لا تملك خططاً لإرسال قوات، مشيراً إلى أن أي التزامات أمنية طويلة الأمد يجب أن تسبقها هدنة أو اتفاق سلام واضح.
هذه المواقف جعلت من الواضح أن دولتين محوريتين مثل ألمانيا وإيطاليا لا تشاركان الحماس الفرنسي البريطاني لنشر قوات، في مقابل انخراط أوسع من باريس ولندن.
إشكالية الضمانات الأمنية ومساراتها الثلاثة
وفق مصادر الإليزيه، يهدف اجتماع باريس إلى إرسال رسالة واضحة مفادها أن التحالف مستعد لتقديم الضمانات الأمنية التي تطالب بها أوكرانيا بعد أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
هذه الضمانات وُضعت في ثلاثة مسارات: أولها تعزيز الجيش الأوكراني على المدى الطويل بالقدرات البشرية والمالية والتسليحية ليبقى خط الدفاع الأول عن أوروبا.
أما الثانية فتتمثل في نشر قوات أوروبية محدودة داخل أوكرانيا، تحت مسمى «قوات إعادة الطمأنة»، لتكون بمثابة ردع مباشر لروسيا ورسالة واضحة بأنها ستواجه أوروبا مجتمعة إذا حاولت شن عدوان جديد.
المسار الثالث يظل أميركياً بامتياز، إذ يعتمد الأوروبيون على «شبكة أمان» تقدمها واشنطن تضمن التدخل في حال تعرضت هذه القوة الأوروبية لهجمات روسية، وهو ما يعتبرونه الضمانة الأهم لردع موسكو.
واشنطن بين التردد الأوروبي والضغط الروسي
أوروبياً، ما زال الموقف مرهوناً بموقف واشنطن، العديد من الدول الأوروبية تربط مشاركتها بوجود التزام أميركي صريح، لكن الرئيس ترمب أعلن بوضوح رفضه إرسال قوات برية أميركية إلى أوكرانيا، مكتفياً بتقديم الدعم الاستخباري واللوجيستي والسلاح.
هذا التباين يضع الأوروبيين أمام معضلة: فهم يريدون مشاركة أميركية قوية لكن دون وجود مباشر على الأرض. في المقابل، يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي حضور غربي على حدود بلاده، ما يجعل أي خطوة أوروبية محفوفة بالمخاطر.
ويزيد من التعقيد غياب أفق واضح لوقف إطلاق النار، إذ يرى ترمب أن «الأنجع» هو التوجه نحو اتفاق شامل ينهي الحرب، بينما تصر أوروبا على هدنة أولية قبل بدء المفاوضات.
في ظل هذه التعقيدات، يسعى «تحالف الراغبين» إلى توجيه رسالة مزدوجة إلى موسكو وواشنطن معاً: أوروبا مستعدة لتحمل مسؤولياتها، لكنها تطالب في المقابل بالتزام أميركي سياسي وأمني حقيقي يمنحها الغطاء لمواجهة روسيا، ويضمن ألا تتحمل وحدها كلفة الدفاع عن أوكرانيا.
اقرأ ايضًا…زيلينسكي يعلن عن تعزيزات روسية جديدة في قطاعات معينة من خط المواجهة