في خطوة دبلوماسية تعبّر عن عمق العلاقات التاريخية بين مدريد والقاهرة، وصل الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا، برفقة الملكة ليتيزيا، إلى العاصمة المصرية القاهرة، في زيارة دولة رسمية هي الأولى من نوعها لعاهل إسباني إلى مصر، منذ إقامة العلاقات بين البلدين.
وتأتي الزيارة استجابة لدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتؤشر إلى مرحلة جديدة من التعاون الثنائي تتجاوز الطابع التقليدي نحو شراكة استراتيجية شاملة.
ملك إسبانيا في العاصمة القاهرة
وقد جرت مراسم استقبال رسمية للملك والملكة في قصر الاتحادية الرئاسي، حيث عزفت الموسيقى العسكرية السلامين الوطنيين، واصطفت الخيول أمام الموكب الرسمي، تلاها استعراض لحرس الشرف وإطلاق المدفعية، في مشهد رمزي يجسد أهمية الزيارة في وجدان الدولة المضيفة.

وعقب مراسم الاستقبال، عقد الملك فيليبي السادس اجتماعاً مغلقاً مع الرئيس المصري، تلاه جلسة مباحثات موسعة جمعت وفدي البلدين، تناولت آفاق تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي، إلى جانب تبادل الرؤى بشأن قضايا إقليمية ودولية ملحة، على رأسها الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة تطورات الوضع في غزة.
ملك إسبانيا يناقش مع الرئيس المصري تطورات القضية الفلسطينية
الملك الإسباني أعرب خلال المباحثات عن تقديره للدور الإقليمي الذي تلعبه مصر، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مشيداً بمبادرات القاهرة لتحقيق وقف إطلاق النار، والمساعدة في احتواء التصعيد، إضافة إلى جهودها في إعداد خطة متكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، بدعم عربي وإسلامي.
اللقاء شه تطابقاً ملحوظاً في المواقف بين الطرفين، خاصة فيما يخص رفض أي محاولات لتهجير سكان غزة خارج أراضيهم، حيث أكد الملك فيليبي السادس والرئيس السيسي بشكل واضح على أن مثل هذه الخطط من شأنها أن تفتح أبواب عدم الاستقرار في المنطقة، وتمثل تهديدًا مباشرًا لأمن دول الجوار، وأوروبا أيضاً، نظراً للتداعيات المحتملة المتمثلة في موجات النزوح والهجرة غير الشرعية.

وفي موقف يعكس وحدة الرؤية بين مدريد والقاهرة، أكد الطرفان على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن الرهائن، والسماح العاجل بدخول المساعدات الإنسانية دون عراقيل، مع رفض صريح لأي إجراءات أحادية الجانب، مثل توسيع الاستيطان أو ضم الأراضي الفلسطينية، والتي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
على الصعيد الثنائي، ناقش الجانبان سبل تطوير الشراكة بين البلدين، خصوصاً في مجالات النقل، والطاقة المتجددة، والسياحة، والتبادل الثقافي.
ولفت الملك فيليبي السادس إلى الدور المحوري الذي تلعبه الشركات الإسبانية في تحديث البنية التحتية المصرية، وخاصة في قطاع السكك الحديدية والمترو، مشيراً إلى أن هذا التعاون يمكن أن يشكل نموذجاً للتكامل الصناعي والتقني في المنطقة.
تاريخ العلاقات بين إسبانيا ومصر
وتتمتع إسبانيا ومصر بتاريخ طويل من التعاون في مشاريع البنية التحتية، حيث تلعب الشركات الإسبانية دوراً محورياً في تطوير منظومة النقل المصرية، من السكك الحديدية إلى قطارات المترو. كما تتصدر شركات مثل “تالجو” و”كاف” مشهد الاستثمارات في قطاع النقل المصري، مما يعكس ثقة مدريد في السوق المصرية، والرغبة المتبادلة في توسيع نطاق الشراكة الصناعية.
وفي مجال السياحة، تواصل إسبانيا دعمها للترويج لمصر كوجهة سياحية رئيسية، في وقت يشهد فيه عدد السياح الإسبان إلى البلاد نمواً ملحوظاً، مدفوعاً بالاستقرار الأمني وتنوع المقاصد السياحية المصرية.
العلاقات الثنائية بين البلدين، التي شهدت نمواً متواصلاً خلال العقد الماضي، تستند إلى أسس متينة من التفاهم السياسي والتكامل الاقتصادي.
ويأتي اللقاء بين الملك فيليبي السادس والرئيس السيسي اليوم بمثابة تأكيد على الإرادة السياسية لدى الطرفين لتطوير هذه العلاقات، ليس فقط من منطلق المصالح الثنائية، بل أيضاً في ضوء دور البلدين كقوتين إقليميتين في الضفتين الجنوبية والشمالية للمتوسط.
الصحف الإسبانية، ومنها “إلباييس” و”الموندو”، خصصت تغطية موسعة للزيارة، مشيرة إلى أهمية التنسيق المصري الإسباني في رفض سياسات التهجير في غزة، وتأكيد العاهل الإسباني على أهمية حماية المدنيين والعمل على إعادة إعمار القطاع، بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، وعلى رأسهم مصر.
اقرأ أيضا.. قمة الدوحة VS الاجتماع الإسرائيلي.. القضية الفلسطينية تبحث عن طوق النجاة