شهدت منطقة الشرق الأوسط، الأحد، تصعيدًا غير مسبوق في المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، حيث تواصل الطرفان تبادل ضربات صاروخية وجوية أودت بحياة المئات وأسفرت عن دمار كبير في عدد من المدن، ولكن لماذا تصر إسرائيل على ضرب منشأة فوردو النووية؟
صواريخ إيرانية تضرب إسرائيل: حرائق وخسائر بشرية
وفي آخر فصول التصعيد، أعلنت خدمات الطوارئ الإسرائيلية عن سقوط دفعات جديدة من الصواريخ الإيرانية مساء الأحد، تركزت في مدينة حيفا، ما أسفر عن اندلاع حرائق متعددة وإصابة 15 شخصًا على الأقل.
وكانت مناطق بات يام وتل أبيب قد تعرضت في الليلة السابقة لهجمات مماثلة، خلفت 7 قتلى و240 جريحًا، إضافة إلى تضرر 61 مبنى، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية.
إسرائيل ترد بقوة: منشآت إيرانية تحت النيران
في المقابل، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية استهدفت منشآت حيوية داخل الأراضي الإيرانية، من بينها مبانٍ حكومية في طهران، ومطار مشهد، وخطوط سكك حديدية في تبريز، إضافة إلى مناطق في شيراز ومنشآت نووية في أصفهان.
كما أكدت مصادر أمنية إسرائيلية تدمير المنشأة النووية في نطنز، و”إخراج مفاعل أصفهان عن الخدمة”، في خطوة قالت تل أبيب إنها تهدف إلى “عرقلة برنامج إيران النووي بشكل كبير”.
وحذّرت إسرائيل المدنيين الإيرانيين المقيمين قرب المنشآت النووية من البقاء في منازلهم، داعية إلى الإخلاء الفوري، وفي موازاة ذلك، كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن تل أبيب طلبت رسميًا من الولايات المتحدة دعمًا لشن ضربة مباشرة على منشأة فوردو النووية الواقعة في أعماق الجبال.

إسرائيل تضغط على واشنطن للمشاركة في قصف “فوردو”
دخلت المواجهة بين إسرائيل وإيران يومها الثالث، وسط مؤشرات على تصعيد إضافي، مع تزايد الضغوط الإسرائيلية على الولايات المتحدة للانضمام إلى العمليات العسكرية، بهدف توجيه ضربة قاضية للبرنامج النووي الإيراني، لا سيما منشأة “فوردو” المحصنة تحت الأرض.
وكشف مسؤولون إسرائيليون، وفق ما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي، أن تل أبيب حثّت واشنطن خلال اليومين الماضيين على الانخراط في العملية العسكرية، معتبرة أن القضاء على منشأة “فوردو” يُعد مفتاحاً رئيسياً لإنهاء الخطر النووي الإيراني.
ورغم الضغط الإسرائيلي، فإن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التزمت حتى الآن الحياد العسكري، مكتفية بتحذير طهران من استهداف القواعد الأميركية في المنطقة. ومع ذلك، نقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي أن ترامب “يدرس التدخل”، مشيراً إلى أن أي قصف أميركي حتى لو استهدف موقعاً واحداً فقط، قد يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران.
وأوضح المسؤول أن ترامب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال محادثة بينهما، أنه “لن يتردد في التحرك إذا دعت الضرورة”.

فوردو.. هدف لا يمكن تجاوزه
وبحسب المصادر، ترى إسرائيل أن نجاح عمليتها ضد إيران مرهون بتدمير منشأة “فوردو”، التي تُعد واحدة من أكثر مواقع تخصيب اليورانيوم تحصيناً في العالم، إذ تقع داخل جبل وبعمق كبير تحت الأرض، ما يصعب استهدافها من دون قنابل خارقة للتحصينات أو طائرات قاذفة ثقيلة، وهي إمكانيات لا تمتلكها إسرائيل حالياً.
وكان السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، يحيئيل ليتر، أكد أن “العملية العسكرية لا يمكن أن تكتمل من دون تدمير فوردو”، في إشارة واضحة إلى الرغبة الإسرائيلية في إشراك القوة العسكرية الأميركية لتحقيق هذا الهدف.
وعلى الأرض، ورغم تأكيدات طهران تعرّض المنشأة لقصف إسرائيلي، إلا أن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، قلل من حجم الأضرار، مشيراً إلى أنها “محدودة”. كما نفى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، تعرّض منشأة “فوردو” ومفاعل “خندب” للماء الثقيل لأي أضرار تذكر.
واشنطن تدرس وتراقب
تجدر الإشارة إلى أن فكرة انضمام واشنطن إلى قصف “فوردو” ليست جديدة، إذ طُرحت من قبل المسؤولين الإسرائيليين منذ بدء العمليات العسكرية يوم الجمعة الماضي. وما تزال الإدارة الأميركية “تدرس الطلب”، وفقاً لما ذكره مصدر دبلوماسي إسرائيلي مطلع.
اقرأ أيضًا:
ترامب يتوقع سلاماً وشيكاً بين إسرائيل وإيران رغم التصعيد العسكري
وبين التصعيد الإسرائيلي، والتحفظ الأميركي، تظل منشأة “فوردو” نقطة الاشتباك الأخطر في هذا النزاع المتصاعد، الذي ينذر بتداعيات إقليمية ودولية أوسع، إذا اتسع نطاق المواجهة المباشرة بين طهران وتل أبيب.
خبير عسكري: إسرائيل عاجزة عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية بدون دعم أميركي
قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن المنشآت النووية الإيرانية تقع في أعماق كبيرة داخل الجبال، ما يجعل من استهدافها مهمة شديدة التعقيد لإسرائيل، سواء من الناحية التقنية أو اللوجستية.
وفي تصريحات لقناة الجزيرة، أوضح الدويري أن القنبلة الوحيدة القادرة على تدمير منشآت إيران النووية الرئيسية في نطنز وفوردو وأراك هي القنبلة الأميركية العملاقة “جي بي يو-57″، المعروفة باسم “مخترقة التحصينات”، والتي تزن أكثر من 12 طناً. وأشار إلى أن إسرائيل لا تمتلك الطائرات القاذفة الثقيلة القادرة على حمل هذا النوع من القنابل، حيث لا يمكن لمقاتلات مثل “إف-35” تنفيذ هذه المهمة.
وأكد أن القنبلة GBU-57 قادرة على اختراق ما يزيد عن 60 متراً من الخرسانة المسلحة والصخور، مما يؤهلها للوصول إلى المنشآت النووية المدفونة بعمق داخل الجبال، وهو ما يجعل امتلاك الولايات المتحدة وحدها لتلك الإمكانيات حاسماً في أي محاولة جادة لتدمير البنية النووية الإيرانية.
إسرائيل تبدأ هجومها… وإيران تقلل من الأضرار
وشنّت إسرائيل فجر اليوم الجمعة سلسلة من الضربات الجوية واسعة النطاق ضد أهداف في إيران، معلنة أنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وأنظمة دفاع جوي، بالإضافة إلى قادة عسكريين بارزين، في ما وصفته بأنها “بداية عملية مطوّلة لمنع طهران من تطوير سلاح نووي”.
في المقابل، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن السلطات الإيرانية أبلغتها أن مفاعل بوشهر النووي لم يتعرض لأي استهداف، كما أشارت إلى أن منشأة فوردو لم تتأثر حتى الآن بالضربات الإسرائيلية.

وتثير هذه التطورات مخاوف من انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة، في وقت تؤكد فيه تقارير عدة أن إسرائيل قد لا تتمكن بمفردها من توجيه ضربة حاسمة للبنية النووية الإيرانية دون مشاركة أميركية مباشرة.
نتنياهو: “نواجه تهديدًا وجوديًا”
وفي حديث مع شبكة “فوكس نيوز“، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الهجوم الإسرائيلي جاء كرد على “تهديد وشيك”، مضيفًا أن بلاده “لا يمكن أن تسمح لطهران بامتلاك سلاح نووي قد يُسلم للحوثيين أو جهات أخرى”.
أكد نتنياهو أن الضربات الجوية “أعادت البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء”، وكشف عن تصفية قائد جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني، واصفًا العملية بأنها “ضربة مفاجئة وناجحة”.

إيران تعلن الحداد: 224 قتيلاً وأكثر من ألف جريح
في المقابل، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية أن الهجمات الإسرائيلية أسفرت حتى الآن عن مقتل 224 شخصًا وإصابة أكثر من ألف آخرين، معظمهم من المدنيين، بحسب المتحدث باسم الوزارة حسين كرمانبور.
وأشار كرمانبور إلى أن “أكثر من 90% من الضحايا هم من النساء والأطفال والرجال المدنيين”، مؤكدًا أن “الهجمات استهدفت مناطق غير عسكرية”.
المجال الجوي مغلق ومخاوف من توسيع الصراع
أعلنت سلطة الطيران المدني الإسرائيلية إغلاق المجال الجوي والمطارات بشكل كامل، تحسبًا لمزيد من الهجمات، بينما أفادت وكالة “مهر” الإيرانية بأن الدفاعات الجوية الإيرانية تصدت لأهداف معادية فوق طهران، وتم تفعيل أنظمة الدفاع في كرمانشاه.
ويأتي هذا التصعيد في ظل تحذيرات دولية من انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة، في وقت لم تظهر فيه أي مؤشرات واضحة على وجود قنوات تفاوض أو جهود وساطة لاحتواء الأزمة المتصاعدة بين الطرفين.