أطفال غزة.. حكاية بطولات من نوع خاص.. أبطالها رغم نحافة أجسادهم إلا أن الابتسامة كانت كفيلة لمواجهة النيران.. في زاوية ضيقة داخل خيمة مهترئة نُصبت على عجل في إحدى مناطق النزوح جنوب قطاع غزة، يجلس الطفل “محمد” ذو الأعوام الثمانية ممسكًا بقطعة من الخبز اليابس، يتأملها كأنها كنز نادر، بينما تضع والدته قطعة قماش مبللة على جبينه، محاولة تخفيف حرارة الشمس التي لا ترحم. لا كهرباء، لا ماء بارد، لا ألعاب، ولا سرير ينام عليه، لكن رغم كل شيء، يبتسم محمد. ابتسامة هادئة، غير خائفة، فيها من التحدي ما يكفي لأن تُربك حسابات المعتدين.

كيف يعيش أطفال غزة طفولتهم بالقوة؟
تقول والدته “سماح”، وهي أم لثلاثة أطفال، إن الابتسامة أصبحت سلاحهم الأخير في وجه الحرب. “ما في إشي نملكه.. خسرنا البيت، خسرنا أقارب وأصدقاء، بس لما ابني يبتسم وأنا بشوفه هيك، بحس إننا لسه صامدين، ولسه عايشين”. وتضيف: “محمد بيقول لي دايمًا: ما تخافي يا ماما، همّا ما بيقدروا علينا.. ربنا معنا”.
تهجرت العائلة من حي الشجاعية قبل أشهر بعد أن تعرض منزلهم لقصف عنيف. ساروا مشيًا على الأقدام، ساعات طويلة، لا يحملون معهم سوى حقيبة صغيرة، وبعض الصور العائلية. ومنذ ذلك الحين، يعيشون في الخيمة دون أي مقومات للحياة، ومع ذلك، لا تزال الضحكة تطل من وجه محمد، بينما تحاول والدته الحفاظ على اتزانها النفسي، وسط هذا الركام المتنقل من مشاهد الموت، والحرمان، والانتظار الطويل لمجهول لا يحمل في طياته الكثير من الأمل.
من تحت الأنقاض تخرج ضحكة
الابتسامة في وجه الحرب ليست ضعفًا، بل مقاومة، كما تقول سماح. فهي ترفض أن يُحرم أطفالها من لحظات الطفولة، مهما كانت بسيطة، حتى لو كان ذلك باللعب بالتراب أو تقليد أصوات الطائرات التي لا تغيب عن سماء القطاع. “بنلعب لعبة الطيارة.. بنمثل إنها لعبة مش حقيقة.. محمد بضحك، وأنا بضحك، وبننسى للحظة إنه في حرب”، تقول الأم، وهي تشير إلى حفرة صغيرة حفرها محمد لنفسه ليلعب بها كأنها قلعة من رمل.
الابتسامة والصبر صارا طريقتهم الوحيدة للبقاء، في انتظار الفرج. فهم يعرفون أن لا أحد يسمعهم بما يكفي، وأن العالم مشغول، لكنهم لا يفقدون إيمانهم بأن العدالة ستأتي يومًا ما. “أنا ما بطلب كتير”، تقول سماح. “بس بدي أعيش بأمان، بدي أولادي يروحوا عالمدرسة، يلعبوا بأمان، ما بدي أشوفهم خايفين كل ما سمعوا صوت طيارة”.
في الليل، حين تعم الظلمة ويبدأ صوت القصف البعيد في الاقتراب، يتسلل محمد إلى حضن والدته، ويهمس لها: “ما تخافي يا ماما، إحنا أقوى”. وربما لا يدرك محمد بعد، أن ابتسامته تلك، وسط كل هذا الظلام، هي فعل مقاومة صامت، وقصة انتصار صغيرة على آلة حرب لا ترحم.
اقرأ أيضًا: