بعد أكثر من 108 أعوام على “وعد بلفور” الذي منح اليهود وطنًا في فلسطين وأشعل صراعًا لم ينطفئ، تقف بريطانيا اليوم أمام وعد جديد قد يُغيّر مسار التاريخ، إذ أعلنت حكومة كير ستارمر عزمها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء مأساة غزة، فهل يكون هذا القرار بمثابة تصحيح لخطأ القرن الماضي “وعد بلفور 1917″، أم خطوة سياسية لكبح الانفجار في الشرق الأوسط وحماية حل الدولتين قبل أن ينهار تمامًا؟
مع بداية العام الجاري، حصدت دولة فلسطين اعترافًا رسميًا من 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، أي ما يعادل نحو 75% من المجتمع الدولي.
ورغم هذا الاعتراف الواسع، ما تزال فلسطين محرومة من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، الذي أحبط أحدث مساعيها في أبريل/نيسان 2024.
زخم متوقع مع اعتراف فرنسا وبريطانيا
يتوقع أن يشهد ملف الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية دفعة جديدة في سبتمبر/أيلول المقبل، مع إعلان فرنسا وبريطانيا عزمهما الاعتراف بفلسطين رسميًا، في خطوة قد تفتح الباب أمام موجة اعترافات أوروبية وأممية واسعة.
وتكتسب هذه الخطوة أهمية استثنائية بسبب ثقل الدولتين داخل الاتحاد الأوروبي وعلى الساحة الدولية، ما يمنح القضية الفلسطينية بعدًا دبلوماسيًا غير مسبوق.
معوقات أمام العضوية الكاملة في الأمم المتحدة
رغم تزايد الاعترافات، تبقى العقبة الأكبر أمام فلسطين هي الفيتو الأمريكي، الذي يمنع حصولها على مكانة الدولة الكاملة في الأمم المتحدة.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تتمتع فلسطين فقط بمكانة دولة مراقبة غير عضو، حصلت عليها بأغلبية أصوات الجمعية العامة بعد فشل محاولاتها في مجلس الأمن عام 2011.
محطات تاريخية في مسيرة الاعتراف بدولة فلسطين
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر.
بعد أسبوع فقط، اعترفت 40 دولة بالدولة الوليدة، من بينها معظم الدول العربية، إلى جانب الصين والهند وتركيا.
بنهاية عام 1988، ارتفع العدد إلى 78 دولة، لتلحق بها جميع دول أفريقيا ودول الكتلة السوفياتية.
في عامي 2010 و2011، اعترفت معظم دول أمريكا اللاتينية والوسطى بفلسطين.
في 2014، أصبحت السويد أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعترف رسميًا بفلسطين.
وفي 2024، انضمت كل من إسبانيا والنرويج وإيرلندا وأرمينيا وسلوفينيا إلى قائمة الدول المعترفة.
اعترافات جديدة متوقعة.. وأبرز العقبات
تشير مصادر فلسطينية إلى أن موجة جديدة من الاعترافات قد تشمل مالطا ولوكسمبورغ وبلجيكا وإيطاليا والبرتغال والدنمارك، مع آمال في اعتراف كندا وأستراليا أيضًا.
لكن، تبقى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية أبرز العقبات أمام تحقيق اعتراف شامل، في ظل موقفهما التقليدي الداعم لإسرائيل والرافض لأي خطوات أحادية تجاه الدولة الفلسطينية.
اقرأ أيضًا:
ترامب: نسعى لتسوية النزاع في غزة ونعمل مع نتنياهو لوقف التصعيد
مع تصاعد موجة الاعترافات، يقترب الفلسطينيون من تحقيق اختراق دبلوماسي تاريخي، لكن العقبات السياسية والفيتو الأمريكي ما تزال تحول دون حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهي الخطوة التي تراها القيادة الفلسطينية أساسية لفرض حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
بريطانيا وفرنسا تمهدان لاعتراف أوروبي شامل بفلسطين
الخطوة البريطانية تأتي متزامنة مع قرار فرنسي مماثل، ويتوقع دبلوماسيون فلسطينيون أن تلحق بها إيطاليا قريبًا، بينما تستبعد ألمانيا الانضمام لهذه الموجة.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات قد تفتح الباب أمام موجة اعترافات أوروبية تعزز الضغط على إسرائيل للقبول بخارطة طريق سياسية جديدة.
هل تصلح لندن خطأ وعد بلفور؟
يثير القرار المرتقب جدلاً واسعًا حول ما إذا كانت لندن تحاول تصحيح “خطأ تاريخي” ارتكبته قبل 108 سنوات عندما أصدرت “وعد بلفور” عام 1917.

وعد بلفور، الذي جاء على شكل رسالة من وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد، تعهد بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، دون أي اعتبار للحقوق السياسية للسكان الفلسطينيين، ما اعتبره الفلسطينيون بداية نكبتهم وسببًا مباشرًا لتهجير نحو 750 ألف فلسطيني عام 1948.