في خطوة جديدة لتوسيع جمهور تقنيات الواقع الافتراضي، أعلنت شركة «ميتا» عن مشروعها الجديد الذي يتيح لمالكي خوذة «كويست في آر» (Quest VR) إنشاء نسخ رقمية ثلاثية الأبعاد من غرف منازلهم ودعوة الآخرين لزيارتها افتراضياً، وتهدف الشركة من خلال هذه التجربة إلى تحويل الواقع الافتراضي من فضاء خيالي إلى بيئة اجتماعية مألوفة، تُمكّن المستخدمين من عقد اجتماعات أو لقاءات عائلية في نسخ رقمية من منازلهم الحقيقية.
وقال فيشال شاه، نائب رئيس قسم التجارب المتعددة الأبعاد في «ميتا»: «هناك سحر خاص في القدرة على مسح مساحة مألوفة، وجلب أشخاص تعرفهم إليها لتشعر بأنكم معاً فعلاً في المكان ذاته».
وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود «ميتا» لتحويل رؤيتها لـ«العالم الاجتماعي ثلاثي الأبعاد» إلى واقع ملموس، وهو مشروع ضخم أنفقت عليه الشركة نحو 70 مليار دولار حتى الآن.

تطبيق «هايبرسكيب» وتجربة أولى واقعية مذهلة
عرضت «ميتا» أولى تجاربها على هذه التقنية عبر تطبيق «هايبرسكيب» (Hyperscape) خلال مؤتمرها للمطورين العام الماضي، وفي النسخة الأحدث من التطبيق، يمكن للمستخدمين استكشاف مساحات ثلاثية الأبعاد دقيقة التفاصيل، مثل مطبخ الشيف غوردون رامزي واستوديو مغني الراب تشانس، بدرجة واقعية تجعل الزائر يشعر وكأنه داخل المكان الفعلي، وأضافت الشركة تحذيراً طريفاً للمستخدمين بعدم الاتكاء على الأثاث الافتراضي، نظراً لمدى دقة التصوير!

خوذة «كويست 3» تتحول إلى أداة تصوير ثلاثي الأبعاد
مع التحديث القادم لنظام التشغيل، سيتمكن مستخدمو خوذة كويست 3 من مسح غرفهم الخاصة باستخدام الكاميرات المدمجة في الخوذة، وأوضح خبير التصوير ثلاثي الأبعاد مايكل روبوف، أن النتائج التي تم تحقيقها عبر الخوذة مذهلة: «اعتقدت في البداية أنهم استخدموا كاميرا باهظة الثمن، لكن اكتشفت أن العملية تمت بالكامل باستخدام جهاز (كويست)، وهذا مذهل فعلاً».
وتتم عملية التصوير على ثلاث مراحل:
- تسجيل أبعاد الغرفة عبر شبكة هندسية تحدد الخطوط العامة للأثاث والأشياء.
- ملء الأشكال بالبيانات ثلاثية الأبعاد لتشكيل صورة دقيقة المظهر.
- جمع تفاصيل إضافية عبر حركة الرأس لتحديد ارتفاع وأبعاد المكان بدقة.
ويستغرق مسح غرفة متوسطة الحجم نحو 20 دقيقة فقط، ليتم بعدها رفع البيانات إلى خوادم «ميتا» وتحويلها إلى نسخة ثلاثية الأبعاد جاهزة خلال ساعتين.

تقنية «الاستخلاص الغاوسي»… قلب التجربة الجديدة
تعتمد التقنية الجديدة على مفهوم «الترسيب أو الاستخلاص الغاوسي» (Gaussian Splatting)، وهي طريقة متقدمة تتيح تحليل الأشياء إلى كتل ثلاثية الأبعاد مع خصائص بصرية دقيقة مثل الشفافية وزوايا الإضاءة المختلفة.
ويتيح دمج هذه التقنية مع خوذة الرأس تحكماً أكبر في جودة الصورة وسرعة المعالجة، إذ تقول «ميتا» إن حركة الرأس أكثر استقراراً من حركة اليد عند استخدام الكاميرا، ما يضمن نتائج أكثر واقعية وثباتاً.
من التجارب الفردية إلى اللقاءات الاجتماعية الافتراضية
في المرحلة الأولى، ستكون المساحات الممسوحة خاصة بصاحبها فقط، لكن «ميتا» تعمل على تطوير ميزة تتيح مشاركة الغرف الرقمية وتحويلها إلى مساحات اجتماعية ضمن عالمها الافتراضي «هورايزون وورلدز» (Horizon Worlds).
وبذلك سيتمكن المستخدمون قريباً من دعوة أصدقائهم إلى نسخ رقمية من منازلهم، والجلوس معاً على «أريكة افتراضية» في بيئة تحاكي الواقع تماماً.
يقول شاه: «أحياناً تكون البيئة بنفس أهمية الأشخاص، وهي ما يمنح التواصل الإنساني عمقه الحقيقي».

توسيع جمهور الواقع الافتراضي وتحدي الركود
تسعى «ميتا» من خلال هذه المبادرة إلى جذب فئات جديدة من المستخدمين، خصوصاً أولئك الذين لا يهتمون بالألعاب، ورغم أن الشركة باعت أكثر من 20 مليون خوذة رأس حتى الآن، وتشير بياناتها إلى أن أكثر من 300 تطبيق في متجر «هورايزون» تجاوزت إيراداتها مليون دولار، فإن مبيعات الأجهزة بدأت تستقر في الآونة الأخيرة.
وتراهن «ميتا» على المحتوى الاجتماعي والترفيهي، إلى جانب شراكات جديدة مثل تعاونها مع المخرج جيمس كاميرون، لإنتاج محتوى ثلاثي الأبعاد مخصص لسماعات «كويست».
اقرأ أيضًا:
أوبن إي آي تعلن إيقاف شات جي بي تي على واتساب اعتبارًا من يناير المقبل
الخطوة التالية: «أفاتار كوديك» وتجسيد واقعي للمستخدمين
تعمل الشركة حالياً على تطوير تقنية «أفاتار كوديك» (Codec Avatars) التي تسمح بإنشاء شخصيات رقمية ثلاثية الأبعاد تحاكي ملامح المستخدمين بدقة عالية، ويرى شاه أن الجمع بين هذه الشخصيات الواقعية وتقنية «هايبرسكيب» سيخلق تجربة غير مسبوقة: «ستكون في بيئة تبدو واقعية، مع أشخاص يبدون حقيقيين… وهذا هو أقصى درجات السحر في عالم الواقع الافتراضي».

سباق الشركات نحو مستقبل ثلاثي الأبعاد
تأتي مبادرة «ميتا» في وقت تتسابق فيه كبرى شركات التكنولوجيا مثل أبل وغوغل وسامسونغ لتطوير خوذ رأس ذكية موجهة نحو الترفيه والعمل، في مشاريع مثل «فيجن برو» و«مشروع موهان».
ومع تزايد الاهتمام العالمي بالواقع الافتراضي، تسعى «ميتا» لتكون السبّاقة في تحويل الفضاء الرقمي إلى امتداد واقعي للحياة اليومية، حيث لا تقتصر التجربة على الألعاب، بل تمتد إلى الذكريات، والمنازل، والعلاقات الإنسانية نفسها.
