ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحفاظ على وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، ضمن المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب في غزة، قد قيدت تحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأعادت تشكيل طبيعة العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.
وقالت الصحيفة إن ما وصفته بـ”الإشراف الأبوي” الذي تمارسه واشنطن على إسرائيل يعكس تحولاً جذرياً في العلاقة الشخصية والسياسية بين ترامب ونتنياهو، بعدما كانت الأولى تتسم بالتقارب والتحالف الوثيق خلال الولاية الأولى لترامب.

من الدعم المطلق إلى الضبط السياسي
ففي ولايته الأولى، أغدق ترامب على نتنياهو ما وصفته الصحيفة بـ”الهدايا السياسية”، عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بسيادة تل أبيب على مرتفعات الجولان، إضافة إلى دعم عسكري ودبلوماسي غير مسبوق.
أما في ولايته الثانية، فقد دعم ترامب نتنياهو في حرب الـ12 يوماً ضد إيران، قبل أن تتوتر العلاقة بين الجانبين عقب قصف الوفد المفاوض من حركة حماس في الدوحة خلال سبتمبر الماضي، وهو ما أثار غضب واشنطن.
وذكرت الصحيفة أن ترامب أجبر نتنياهو لاحقاً على الاتصال برئيس الوزراء القطري والاعتذار له، في مشهد غير مألوف بالعلاقات الأميركية – الإسرائيلية.
كوشنر: ترامب تصرف لمصلحة إسرائيل أكثر من نتنياهو
وخلال مقابلة مع برنامج 60 دقيقة على قناة CBS، قال جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق، إن الرئيس الأميركي شعر بأن الإسرائيليين “بدأوا يتصرفون بشكل مفرط”، فكان عليه أن يكون صارماً لمنعهم من اتخاذ خطوات “لا تخدم مصالحهم طويلة الأمد”.
ووصفت نيويورك تايمز تصريح كوشنر بأنه “استثنائي”، إذ يكشف أن ترامب يرى نفسه أكثر حرصاً على مصلحة إسرائيل من نتنياهو نفسه.

خطة ترامب لإنهاء حرب غزة: 20 بنداً أبرزها الاعتراف بالدولة الفلسطينية
وضغط ترامب على نتنياهو للموافقة على خطة سلام مكونة من 20 بنداً لإنهاء الحرب في غزة، تتضمن اعترافاً بتطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة.
ورغم اعتراض نتنياهو الشديد، قال ترامب في تصريحات لموقع Axios: “عليه أن يوافق، ليس أمامه خيار، معي، عليه أن يوافق”.
وأكدت الصحيفة أن ترامب يتعامل مع إسرائيل بأسلوب الزعيم لا الشريك، ما أثار جدلاً في الأوساط السياسية الإسرائيلية.
مواقف حازمة ضد ضم الضفة ودعم مشروط لإسرائيل
وبحسب التقرير، رفض ترامب مراراً فكرة ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، قائلاً: “لن يحدث ذلك، ستفقد إسرائيل كل دعم الولايات المتحدة إذا حدث هذا الأمر”.
كما أعلن خلال مؤتمر صحفي في أكتوبر الماضي أنه هو من سيقرر مصير حل الدولتين، مضيفاً في مقابلة مع مجلة تايم أنه سيتخذ القرار بنفسه بشأن الإفراج عن مروان البرغوثي، ما عُدّ دليلاً إضافياً على توجهه لإدارة الملف الإسرائيلي – الفلسطيني من موقع الهيمنة لا الوساطة.
وكشفت نيويورك تايمز أن واشنطن افتتحت مركزاً للتنسيق المدني العسكري في جنوب إسرائيل للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

كما بدأت الولايات المتحدة تشغيل طائرات مسيرة فوق غزة، في خطوة تهدف إلى بناء رواية مستقلة عن الأحداث الميدانية بعيداً عن التغطية الإسرائيلية، وهو ما وصفته الصحيفة بـ”تحول كبير في العلاقة بين الحليفين”.
اقرأ أيضًا:
محمود عباس يمهّد لخلافته| حسين الشيخ رئيساً مؤقتاً للسلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب
إسرائيل بين الهيمنة الأميركية وتراجع مكانة نتنياهو
وقال روفين حزان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، إن “صورة نتنياهو تضاءلت أمام ترامب”، مضيفاً أنه “أصبح أشبه بحاكم ولاية أكثر منه زعيم دولة”.
وأظهر استطلاع رأي لهيئة البث الإسرائيلية أن 48% من الإسرائيليين يعتقدون أن بلادهم أصبحت “محمية أميركية”، بينما عارض 29% هذا الوصف، في حين شدد نتنياهو على أن “إسرائيل دولة مستقلة” في اجتماع حكومته الأخير.
ورأت الصحيفة أن هيمنة ترامب على المشهد الإسرائيلي قد تشكل خطراً على مستقبل نتنياهو السياسي مع اقتراب الانتخابات في إسرائيل.

وقال نمرود نوفيك، المستشار السابق لرئيس الوزراء الراحل شمعون بيريز وعضو منتدى السياسة الإسرائيلية، إن “نتنياهو يدرك أن ترامب قادر على تقويض مكانته الانتخابية بمنشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي”، مضيفاً: “في اللحظة التي يقرر فيها ترامب الابتعاد عنه، حتى بلطف، فإن ذلك كفيل بإحداث هزة سياسية داخل إسرائيل”.
تشير معطيات نيويورك تايمز إلى أن العلاقة بين ترامب ونتنياهو دخلت مرحلة جديدة من التبعية السياسية، حيث أصبح القرار الإسرائيلي في ملفات غزة والضفة والاتفاقات الإقليمية مرهوناً بإرادة البيت الأبيض، في تحول غير مسبوق بتاريخ العلاقات بين الجانبين.
