في خطوة غير مسبوقة من واشنطن منذ بداية الأزمة السورية، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة تتيح دمج آلاف المقاتلين الأجانب السابقين في صفوف المعارضة ضمن تشكيل عسكري جديد يتبع الجيش السوري، وفق ما أكده مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا، توماس باراك.
واشنطن توافق على خطة سورية لدمج مقاتلين أجانب في الجيش
وقال باراك، الذي يشغل أيضاً منصب السفير الأميركي لدى تركيا، في تصريحات لـ”رويترز” من دمشق، إن واشنطن تدعم الخطة “بشرط أن يتم التنفيذ بشفافية”. وأضاف: “من الأفضل إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة بدلاً من إقصائهم”، مشيراً إلى أن العديد منهم “مخلصون للغاية” للإدارة السورية الجديدة.

وبحسب ثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع السورية، فإن الخطة تقضي بانضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من أقلية الإيغور الصينية ودول مجاورة، إلى “الفرقة 84″، وهي وحدة جديدة في الجيش السوري ستضم أيضاً مقاتلين سوريين.
تحوّل أميركي في الموقف من المقاتلين الأجانب
تشير هذه التطورات إلى تحوّل كبير في الموقف الأميركي، الذي كان حتى مايو الماضي يطالب باستبعاد المقاتلين الأجانب من المؤسسات الأمنية والعسكرية. ويُعزى هذا التغيير إلى جولة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط الشهر الماضي، والتي التقى خلالها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض. وشهدت الجولة أيضاً إعلان رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
وقال مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية إن القيادة الجديدة نجحت في إقناع واشنطن بأن دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري يشكل بديلاً أكثر أمناً من تركهم عرضة للتجنيد من قبل تنظيمات إرهابية كداعش أو القاعدة.
الإيغور من “هيئة تحرير الشام” إلى “الجيش الوطني”
وكان المقاتلون الإيغور ينشطون ضمن “الحزب الإسلامي التركستاني”، وهو فصيل قاتل إلى جانب “هيئة تحرير الشام”، التي نأت بنفسها عن تنظيم القاعدة عام 2016. ووفق مسؤول سوري ودبلوماسي أجنبي، فإن الصين ضغطت لتقليص نفوذ هذه الجماعة، التي تصنفها بكين كتنظيم إرهابي.
وقال عثمان بوغرا، مسؤول سياسي سابق في الحزب، في بيان لـ”رويترز” إن الحزب تمّ حله رسمياً وجرى الاندماج الكامل في صفوف الجيش السوري. وأضاف أن المقاتلين يعملون الآن تحت إشراف وزارة الدفاع السورية ويلتزمون بسياساتها، دون أي صلة بجماعات أو جهات خارجية.
قلق غربي وتطمينات سورية
ورغم الخطوة الجريئة، أثارت تعيينات عدد من القيادات السابقة في هيئة تحرير الشام في مواقع عسكرية حساسة خلال ديسمبر الماضي قلقاً في عواصم غربية. وكانت تلك التعيينات من بين أبرز نقاط التوتر مع واشنطن إلى حين الاجتماع المفصلي بين ترامب والشرع.
وفي محاولة لطمأنة المجتمع الدولي، صرّح الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بأن المقاتلين الأجانب وأسرهم قد يُمنحون الجنسية السورية تقديراً لدورهم في الإطاحة بالأسد ومحاربة داعش.
يرى عباس شريفة، الباحث في شؤون الجماعات المتشددة والمقيم في دمشق، أن المقاتلين الذين تم دمجهم خضعوا لعملية “تنقيح أيديولوجي” وأظهروا ولاءهم للقيادة السورية الجديدة. لكنه حذر من احتمال تحولهم إلى هدف سهل للتنظيمات المتطرفة في حال تخلت الدولة عنهم لاحقاً.
موقف دولي غير محسوم
وفيما امتنعت كل من وزارة الخارجية الأميركية والحكومة السورية عن التعليق على تفاصيل الخطة، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً مقتضباً أعربت فيه عن أملها بأن “تعارض سوريا جميع أشكال الإرهاب والتطرف، استجابة لمخاوف المجتمع الدولي”.
بين تفاؤل البعض بخطوة تقود نحو الاستقرار، ومخاوف آخرين من نتائج عكسية محتملة، يبدو أن مستقبل سوريا ما بعد الأسد لا يزال في طور التشكّل، وسط معادلات معقدة تتداخل فيها الحسابات الإقليمية والدولية، وتتطلب مقاربات حذرة لمعضلات أمنية وسياسية متجذّرة.
اقرأ أيضًا:
قوات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف المدنيين في رفح.. عشرات الشهداء والجرحى في نقطة المساعدات