في وداع هادئ، غابت مساء الاثنين الفنانة السورية فدوى محسن عن عمر ناهز 84 عامًا، تاركة خلفها إرثًا فنيًا مشبعًا بالصدق والبساطة، كما أعلن ابنها الفنان هامي البكار عبر حسابه الرسمي على “إنستغرام”. وفي بيان مقتضب، نعتها نقابة الفنانين السوريين مؤكدة أن تفاصيل التشييع والعزاء ستُعلن لاحقًا.
ولدت محسن في 26 فبراير/شباط 1941 بمدينة دير الزور، لترسم على مدى عقود من الزمن ملامح نساء الشام، وأدوار الأم الحنونة، والمرأة الشعبية الأصيلة، حتى أصبحت واحدة من أبرز وجوه الدراما السورية، واسمًا لا يُذكر دون أن تستحضر معه رائحة الزمن الجميل.

فدوى محسن.. انطلاقة متأخرة ونجومية متألقة
رغم أن بداياتها الفنية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، من خلال مشاركتها في الفرق المسرحية الجوالة، إلا أن انطلاقتها التلفزيونية الحقيقية جاءت متأخرة، في عام 1992 عبر مسلسل “طرابيش”، الذي شكّل نقطة تحول فتحت أمامها أبواب التألق في الدراما السورية.
توالت بعدها الأدوار التي أثبتت من خلالها قدرتها الفائقة على تجسيد الشخصيات المركبة ببساطة آسرة، فشاركت في أعمال رسخت مكانتها مثل: “قلوب صغيرة”، و”ما ملكت أيمانكم”، و”أبناء القهر”، و”عصر الجنون”، و”عودة غوّار”.
إلا أن الجمهور العربي لا يزال يذكرها باسم شخصيتها الأشهر: “أم إبراهيم”، التي أدّتها في الأجزاء الأولى من مسلسل “باب الحارة”، فصارت وجهًا مألوفًا في كل بيت، وصوتًا دافئًا يردد حكم الأمهات الشاميات.
بين التلفزيون والمسرح والسينما
لم يقتصر حضور فدوى محسن على الشاشة الصغيرة، فقد كانت ممثلة متعددة المواهب، تنقلت بين الدراما المعاصرة، والكوميدية، والتاريخية، مجسدة شخصيات تنتمي إلى مختلف البيئات واللهجات، بأسلوب واقعي عفوي أكسبها احترام الجمهور والنقاد على حد سواء.
في المسرح، وقفت على خشبات العروض الكبرى خلال السبعينيات والثمانينيات، في أعمال كلاسيكية لافتة مثل “الملك لير” و**”الزير سالم”**، بينما شهدت السينما تألقها في أفلام مثل:
“سفر الأجنحة”
“رد القضاء – سجن حلب” (2016)
“أمينة” (2018)، حيث وقفت إلى جانب نادين خوري في عمل سلط الضوء على معاناة النساء في البيئات المهمّشة.
رؤية ناقدة وحس فني أصيل
بعيدًا عن الكاميرا، عُرفت محسن بصراحتها وانتقاداتها الجريئة لواقع الدراما السورية. ففي أكثر من مناسبة، عبّرت عن أسفها لتراجع جودة النصوص، ولجوء بعض الفنانين إلى أدوات الشهرة السريعة على حساب الموهبة والجوهر الفني.
وكانت تؤمن أن “أصالة الفن لا تُصطنع”، وأن النجاح الحقيقي لا يأتي من عدد المتابعين، بل من عمق الأداء وقوة التأثير.
وداع يليق بالكبار
برحيل فدوى محسن، تطوى صفحة من صفحات الأصالة في الدراما السورية، لكنها تبقى حية في قلوب من عرفوها، وشاهدوا أداءها، وصدقوا تلك الشخصيات التي لم تكن تمثيلًا فقط، بل تجسيدًا حقيقيًا لنساء هذا المجتمع في أفراحه وأوجاعه، وفي زمنٍ تتسارع فيه الوجوه، سيبقى اسم فدوى محسن محفورًا في ذاكرة جيلٍ أحب الفن لأجلها، واحترمه من خلالها.
اقرأ أيضًا:
الدراما العربية تتجدد خارج رمضان.. زخم إنتاجي وتنوّع لافت في الموضوعات والنجوم