مع تصاعد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وازدياد الضغوط الشعبية والحقوقية على المؤسسات الأوروبية، اتخذ البرلمان الأوروبي خطوة وصفت بأنها “الأقوى منذ بداية الحرب”، كاشفًا عن تحول لافت في الموقف الرسمي للاتحاد تجاه إسرائيل، بعد شهور من التردد والصمت المشوب بالحذر.
إسرائيل تعرقل المساعدات وتدمر غزة
لم يعد بالإمكان تجاهل الأرقام المهولة للضحايا، ولا مشاهد المجاعة في المخيمات، ولا حتى الضربات التي استهدفت كنائس ومدارس ومراكز لجوء مكتظة بالمدنيين. ولعلّ أبرز ما دفع البرلمان الأوروبي للتحرّك هو العجز الكامل عن إدخال المساعدات الإنسانية، في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ أشهر.
في جلسة عامة حاسمة، صوّت 305 نواب لصالح قرار يُدين ما وصف بـ”الكارثة الإنسانية” في غزة، مقابل 151 نائبًا عارضوا القرار. واتّهم القرار إسرائيل بشكل مباشر بعرقلة إدخال المساعدات، مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار، وضمان آمن لوصول الإغاثات إلى المدنيين، وإعادة تمويل وكالة “الأونروا” التي تعتمد عليها ملايين الأسر الفلسطينية في البقاء على قيد الحياة.
305 نائبًا يكسرون جدار التواطؤ
لكن ما يميز هذا القرار أنه تجاوز لغة الإدانة، إلى التلويح باتخاذ إجراءات عملية، من بينها تعليق جزئي لاتفاقية الشراكة التجارية مع تل أبيب، وهي خطوة نادرة الحدوث في تاريخ العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، وتتطلب موافقة رسمية من حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما دعا البرلمان إلى وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، وفرض عقوبات مباشرة على وزراء في حكومة نتنياهو، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، المتهمَين بإذكاء العنف والتحريض ضد الفلسطينيين.
صحيفة لابانجورديا الإسبانية نقلت عن مصادر داخل البرلمان أن دعم النواب لمبادرة المفوضية الأوروبية بتجميد التعاون التجاري مع إسرائيل هو نتيجة طبيعية لفقدان “الثقة في احترام إسرائيل للقانون الدولي والإنساني”، بعد مشاهد القصف، والمجازر، والحرمان الكامل من الغذاء والدواء.
في ذات السياق، برزت إسبانيا كمحور ضاغط داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تقود مدريد حملة لدفع الاتحاد إلى تشديد العقوبات على إسرائيل، بالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز نيته الدفع باتجاه اعتراف أوروبي بدولة فلسطين. وهي خطوة توازي في رمزيتها ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حمّل إسرائيل مسؤولية “تدمير مصداقيتها بالكامل” أمام العالم، مشددًا على أن “الاعتراف بفلسطين هو أفضل وسيلة لعزل حماس وفتح الباب أمام حل سياسي شامل”.
كما أعاد البرلمان الأوروبي تأكيد دعمه للمحكمة الجنائية الدولية، وأوامر القبض الصادرة عنها بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب في غزة.
ورغم أن بعض المراقبين اعتبروا الخطوة الأوروبية “متأخرة ومترددة”، إلا أنها تُشكل تحولًا نوعيًا في الموقف السياسي الأوروبي، وقد تكون مقدّمة لتغير أوسع في خارطة العلاقات الدولية مع إسرائيل، في حال استمرار العدوان وفشل تل أبيب في احتواء تداعياته.
في النهاية، لم تعد أوروبا قادرة على تجاهل ما يحدث في غزة، ولا على تبريره باسم “الحق في الدفاع عن النفس”. لقد وصلت المأساة إلى نقطة اللاعودة، وبدأت حسابات السياسة تتغير أمام صرخات الأطفال وأصوات الجوعى.
اقرأ أيضا.. منصة بلا جمهور.. جو بايدن يخسر مكانته بين الديمقراطيين والشركات