في وقتٍ يبدو فيه الكونجرس الأمريكي محاطًا بجدار من الصمت حيال المجاعة المتفاقمة في قطاع غزة، برزت أصوات نادرة وغير متوقعة أحيانًا ترفض التواطؤ أو التغاضي، وتدعو إلى وقفة أخلاقية أمام ما وصفه تقرير أممي بـ”الكارثة الإنسانية الوشيكة”.
هذه الأصوات لا تنتمي إلى حزب واحد أو تيار سياسي بعينه، بل تجمع بين اليسار التقدمي واليمين المتطرف، في لحظة نادرة يتجاوز فيها الضمير الإنساني الانقسامات الحزبية.

أصوات أمريكية تتصدّى لـ”مجاعة غزة”
السيناتور التقدمي بيرني ساندرز، المعروف بمواقفه الحادة ضد السياسات الإسرائيلية في غزة، لم يكتفِ بالتلميح. في منشورٍ على منصة X (تويتر سابقًا)، حمّل الإدارة الأمريكية مسؤولية مباشرة في تفاقم الوضع، قائلاً: “لنكن واضحين: يمتلك الرئيس بايدن القدرة على إنهاء مجاعة الشعب الفلسطيني… لكنه لا يفعل شيئًا، ويشاهد المجاعة تتكشف.”
لم يكتف ساندرز بالدعوة الإنسانية، بل تبنّى موقفًا تشريعيًا واضحًا برفض استمرار التمويل العسكري الأمريكي لإسرائيل، مؤكدًا أن أموال دافعي الضرائب لا يجب أن تُستخدم لـ”إدامة آلة الحرب بقيادة نتنياهو”، على حد تعبيره.
مارجوري تايلور جرين: من أقصى اليمين… صوتٌ يتعاطف مع أطفال غزة
في تحول مفاجئ ومثير للجدل، أبدت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين التي تنتمي إلى التيار اليميني المحافظ المتشدد – تعاطفًا صريحًا مع ضحايا الحرب في غزة، معتبرة أن ما يحدث “إبادة جماعية”، وهي الكلمة التي يتحاشاها الكثير من الساسة الأمريكيين في هذا السياق.

رغم تأكيدها أن حرب إسرائيل ضد حماس مبررة من وجهة نظرها، قالت جرين في منشور مطوّل: “هل يستحق الأبرياء والأطفال ذلك؟ لا. لم يقتل الأبرياء في غزة الأبرياء في إسرائيل في السابع من أكتوبر.”
في حديثها، تجاوزت جرين الخطاب المعتاد داخل الحزب الجمهوري، لتُشير بشكل مباشر إلى أن الدعم الأمريكي العسكري لإسرائيل يجعل كل دافع ضرائب أمريكي شريكًا في الحرب.
تغيير نادر في خطاب واشنطن… أم رد فعل لحظي؟
ما يجمع بين ساندرز وجرين ليس الموقف السياسي، بل الإحساس بالخطر الأخلاقي المُلح الذي يفرضه الواقع الإنساني في غزة. كلاهما يتحدث من زاويتين مختلفتين تمامًا، لكن النتيجة واحدة: إدانة للصمت الأمريكي، ورفض للتواطؤ المالي والعسكري مع آلة القتل، سواء بالصمت أو بالمساندة.
لكن في ظل الصمت السائد بين الأغلبية في الكونغرس، تبقى هذه الأصوات أقرب إلى الاستثناء منها إلى القاعدة. فهل تمثل بداية تحوّل في المزاج السياسي الأمريكي تجاه إسرائيل، أم مجرد رد فعل عاطفي أمام مشاهد الجوع والمعاناة؟
الأسابيع القادمة قد تحمل الإجابة، لكن المؤكد أن المجاعة في غزة كسرت حاجز الصمت – ولو جزئيًا – داخل قاعة طالما نُظر إليها كأكثر المؤسسات دعمًا غير مشروط لتل أبيب.