ما زالت السينما السودانية تنبض بالحياة رغم الصراعات والتحديات، بفضل جهود مبدعيها الذين حملوا قضايا وطنهم على أكتافهم، ومنهم المخرج السوداني زهير عبد الكريم، الذي يرى في السينما وسيلة خلاص وليست ترفاً، زهير يشارك حالياً في لجنة تحكيم مسابقة الفيلم المتوسطي القصير بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته الـ41، ويصف مشاركته بأنها لحظة حلم طال انتظاره.

من حلم الطفولة إلى كرسي التحكيم
أعرب عبد الكريم، في حوار له عن سعادته الكبيرة بمشاركته في لجنة تحكيم المهرجان، قائلًا: “هذا الحلم يرافقني منذ الطفولة، واليوم أعيشه وأنا أجلس بجوار نجوم كنت أتابعهم من بعيد، كانت تجربة غنية وجميلة، خاصة مع لجنة تحكيم يترأسها المخرج باتريك جورج وتضم الفنانة لقاء الخميسي، كنا نناقش الأفلام بشغف، والأعمال الجيدة جمعتنا رغم اختلافاتنا”.
بداية الطريق: خوف ومثابرة وإصرار
لم يكن طريق زهير مفروشًا بالورود، فقد واجه الكثير من الصعوبات، لكنه لم يتراجع، يقول: “بدأت رحلتي مع السينما في 2014، عندما شاركت في أول فيلم طويل، كنت وقتها أدرس في مصر، واطلعت على الطفرة التقنية هناك، عدت للسودان وطبقتها في فيلم من إنتاج التلفزيون السوداني، ونجحت التجربة”.
تجربة ورشة تدريب في إيرلندا كانت نقطة تحول في رؤيته للسينما، كما يوضح: “أدركت حينها أن السينما لا تنتظر أحداً، يجب أن نستمر رغم كل شيء، وأن نخلق فرصنا بأيدينا”.
السينما السودانية المستقلة: موجة جديدة رغم الانقطاع
زهير يعمل حاليًا على كتاب عن السينما السودانية المستقلة، التي يعتبرها الحاضنة الحقيقية لانطلاقته الفنية: “السينما السودانية بدأت بشكل مستقل، ثم تبنتها الدولة لفترة، لكنها عادت لتكون مستقلة من جديد، اليوم نشهد موجة جديدة بفضل أسماء مثل أمجد أبو العلا ومحمد كردفاني، وهذه التجارب تؤسس لصناعة سينما حقيقية رغم انقطاع التدريب وقلة الإمكانيات”.
توثيق الذاكرة: السينما السودانية بحاجة لأرشيف حي
نتيجة الحروب والصراعات، تعرضت دور العرض ومراكز الأرشفة للتدمير، ما شكل تهديدًا لذاكرة السينما السودانية، ويعلّق زهير: “علينا الحفاظ على الشهادات الحية لأعلامنا، مثل سليمان إبراهيم والطيب مهدي، هؤلاء هم الأرشيف الحقيقي، ويجب توثيق تجاربهم قبل أن تضيع”.
اتحاد الفنانين السودانيين في مصر: لمّ شمل إبداعي
بعد تفاقم الصراعات في السودان، ازداد عدد السينمائيين السودانيين المقيمين في مصر، وهو ما دفع زهير للمساهمة في تأسيس اتحاد الفنانين السودانيين في مصر، بالتعاون مع نقيب المهن السينمائية المصري مسعد فودة: “أسسنا الاتحاد بمشاركة 45 فنانًا وفنانة، برئاسة عادل حربي، الاتحاد فتح آفاقًا جديدة للتعاون مع الفنانين المصريين، وكان خطوة مهمة لإعادة الروح إلى السينما السودانية في الخارج”.
الفن في زمن الصراع: السينمائيون يوثقون الألم
الصراعات في السودان أثرت على كل شيء، بما في ذلك الإنتاج الفني، ويقول عبد الكريم بأسى: “منذ أول رصاصة أُطلقت، بدأت تظهر القصص، نحن نعيش في قلق دائم، وهذا بلا شك سينعكس على أفكارنا وأفلامنا القادمة، السينما ستعبّر عن هذه المرحلة”.
تجارب جديدة وسيناريوهات قادمة
رغم الظروف، لم يتوقف زهير عن الإبداع، كشف عن انتهائه من كتابة أربعة سيناريوهات لأفلام قصيرة، أحدها سينتجه المخرج أمجد أبو العلا: “الفيلم القصير يبدو بسيطًا، لكنه صعب ومكثف، علينا أن نضمن وجود السينما السودانية في كل مكان من العالم، لأنها مرآتنا وصوتنا وسط الاضطرابات”.
اقرأ أيضًا:
فردوس عبدالحميد في مهرجان الإسكندرية السينمائي: مسيرة فنية عنوانها الثبات والاختيار الواعي
مصر محطة مهمة والسينما خلاص
اختتم زهير حديثه بالإشادة بالدور الذي لعبته مصر في احتضان المبدعين السودانيين، مؤكدًا أن القاهرة منحته فرصًا شكلت تجربته، وقال: “علاقتنا بالسينما عادت من جديد هنا، والفنانون السودانيون شاركوا في أعمال ناجحة بمصر، مثل محمود السراج وإسلام مبارك، هذه التجارب منحتنا الأمل للاستمرار”.