لم تكن المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران سوى ذروة متوقعة لصراع ظلّ يتأجج على مدى 45 عامًا، منذ اللحظة التي اعتلت فيها الثورة الإسلامية سدة الحكم في طهران عام 1979. صراع لم يكن يومًا سياسيًا بحتًا، بل مواجهة عميقة الجذور، اتخذت وجوهًا شتى، من دعم وكلاء، إلى اغتيالات، فهجمات سيبرانية، وانتهت أخيرًا بصدام مباشر يهدد بتغيير شكل الشرق الأوسط.
الجذور: العداء منذ الثورة (1979)
مع انتصار الثورة الإسلامية، قطعت إيران علاقاتها مع إسرائيل، ووصفتها بـ”العدو الصهيوني”، ومنذ ذلك الحين، تبنّت طهران سياسة خارجية تقوم على دعم حركات المقاومة، أبرزها حزب الله في لبنان، الذي تحول لاحقًا إلى الذراع العسكرية الأبرز لإيران في المواجهة غير المباشرة مع إسرائيل.

محطات مفصلية في تاريخ المواجهة
-
دعم حزب الله – 1982
أسهمت طهران في تأسيس حزب الله خلال الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وتحول الحزب منذ ذلك الحين إلى رأس حربة في المواجهة مع إسرائيل، خاصة على الجبهة الجنوبية للبنان.
-
حرب يوليو – 2006
في صيف عام 2006، اندلعت حرب استمرت 34 يومًا بين حزب الله وإسرائيل، واعتُبرت أول مواجهة إقليمية كبرى بين الطرفين. إيران دعمت الحزب بالأسلحة والصواريخ، فيما حاولت إسرائيل الحد من نفوذ طهران عبر ضربة عسكرية مباشرة لوكيلها الأقوى.
-
البرنامج النووي الإيراني – من 2002 حتى اليوم
يمثل البرنامج النووي الإيراني أحد أبرز أوجه الصراع، إذ تنظر إليه إسرائيل كتهديد وجودي، وقد سعت إلى تعطيله عبر وسائل دبلوماسية وأمنية وعسكرية، أبرزها اغتيال العالم محسن فخري زاده (2020) وزرع فيروس Stuxnet داخل أجهزة تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
-
ساحة سوريا – بعد 2011
تحولت سوريا إلى مسرح اشتباك يومي بين إسرائيل وإيران. فمن جهة، عززت طهران وجودها العسكري عبر ميليشيات وقواعد للحرس الثوري. ومن جهة أخرى، شنّت إسرائيل مئات الغارات الجوية لمنع إيران من ترسيخ هذا الحضور أو نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله.
اقرأ أيضًا:
ترامب يلوّح بالفرصة الأخيرة.. وطهران ترد: لا مفاوضات في ظل القصف
-
“حرب الظل” البحرية – 2019-2022
في الخليج العربي والبحر الأحمر، تبادل الطرفان استهداف السفن التجارية وناقلات النفط في عمليات غامضة وغير مُعلنة غالبًا. لكنها عكست تصعيدًا نوعيًا في “حرب الظل”.
-
الطائرات المسيّرة والصواريخ
شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا في استخدام المسيّرات والصواريخ، سواء عبر هجمات مباشرة أو من خلال جماعات مدعومة من إيران مثل حماس والحوثيين. إسرائيل بدورها اتهمت إيران بالوقوف وراء هجمات من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
-
معركة غزة – أكتوبر 2023
خلال تصعيد عسكري واسع بين إسرائيل وحماس، اتهمت تل أبيب إيران بالضلوع في دعم العملية الهجومية الكبيرة يوم 7 أكتوبر. ورغم نفي طهران تورطها المباشر، إلا أنها أكدت دعمها السياسي والمعنوي لحماس.
-
أول هجوم مباشر – أبريل 2024
ردًا على قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، شنت طهران أول هجوم مباشر وعلني، مستخدمة أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة نحو إسرائيل. الهجوم فشل إلى حد كبير بسبب تنسيق دفاعي إقليمي شمل الولايات المتحدة، لكنه مثّل نقطة تحوّل فارقة في طبيعة الصراع.
-
اغتيال حسن نصر الله – سبتمبر 2024
في عملية وُصفت بالأخطر منذ سنوات، اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عبر غارة دقيقة استهدفت موقعًا سريًا في الضاحية الجنوبية لبيروت. العملية قضت أيضًا على عدد من أبرز قيادات الحزب، ما مثّل ضربة كبرى للنفوذ الإيراني في لبنان.
المواجهة الكبرى: صيف 2025
في تطور غير مسبوق، نفذت إسرائيل فجر يوم الجمعة عملية عسكرية موسعة استهدفت مواقع استراتيجية داخل الأراضي الإيرانية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن أن الهجوم جاء لـ”دحر التهديد الإيراني الوجودي”.
شملت العملية اغتيال قيادات بارزة، على رأسهم قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، ورئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري.

وفي رد سريع، أطلقت إيران أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا وأكثر من 100 طائرة مسيرة نحو أهداف داخل إسرائيل، ما أسفر عن أضرار بشرية ومادية واسعة، رغم أنظمة الدفاع الجوي المشتركة.
المدنيون كانوا أول من دفع الثمن، إذ شهدت طهران موجة نزوح جماعي شمالًا، بعد تلقي تحذيرات بعمليات إسرائيلية وشيكة، في وقت ارتفع فيه عدد الضحايا على جانبي الصراع.
هل هي بداية النهاية؟
بينما يقف المجتمع الدولي على أطراف أصابعه، تحبس المنطقة أنفاسها مع كل غارة جديدة وكل تصريح عسكري. المواجهة التي انطلقت قبل أكثر من أربعة عقود لم تعد “ظلًّا”، بل باتت حربًا مكشوفة بكل أبعادها: سيبرانية، عسكرية، استخباراتية، وسياسية.
ويبقى السؤال: هل تقترب هذه الحرب الطويلة من نهايتها، أم أنها تفتح الباب لصراع إقليمي واسع قد يمتد لأبعد من حدود إيران وإسرائيل؟