ربما أطلانطس المفقودة ضربًا من الأساطير، إلا أن هناك بالطبع مدن قديمة غارقة تحت الماء والرمال.
تحتوي هذه المدن والمستوطنات القديمة، التي غمرتها الزلازل أو ابتلعتها أمواج المد، على كنوز لا تُقدر بثمن وأشياء يومية تعود إلى مئات أو حتى آلاف السنين.
وسنتعرف على أبرز 5 مدن قديمة غارقة في السطور التالية..
5 مدن قديمة غارقة
مدينة ثونيس – هرقليون
لأكثر من ألفي عام، دُفنت مدينة مصرية أسطورية تحت الرمال والبحر عند مصب نهر النيل. أطلق عليها الإغريق اسم هرقليون، تيمّنًا بالبطل الأسطوري هرقل.
وأطلق عليها المصريون اسم ثونيس. وخلال عهد البطالمة، كانت ثونيس-هرقليون ميناء دخول جميع السفن اليونانية المتجهة إلى مصر، وموطنًا لمعبد آمون الرائع، حيث نال فراعنة البطالمة سلطتهم الإلهية.
كتب المؤرخ هيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد) عن عظمة ثونيس-هرقليون، وأشار الجغرافي سترابو (القرن الأول قبل الميلاد) إلى موقعها القديم، لكن المدينة العظيمة ومعابدها اختفت فجأةً.
ثم في تسعينيات القرن الماضي، حلّ فريق من علماء الآثار تحت الماء بقيادة فرانك غوديو لغزًا استعصى على زملائه من علماء الآثار لآلاف السنين.
وباستخدام أجهزة مسح ضوئي وسونار عالية التقنية، اكتشف فريق غوديو شذوذًا على بُعد أكثر من أربعة أميال من الساحل المصري، يغطي مساحة تقارب ميلًا مربعًا من قاع البحر.
يقول غوديو: “عندما غطسنا هناك لأول مرة، لم نرَ سوى الرمال، لأنه لم يكن هناك ما نراه. كان كل شيء مدفونًا تحت الرواسب”.
لكن بمجرد أن بدأ غوديو التنقيب، صادف فريقه ما يشبه اليانصيب الأثري. من بين الاكتشافات المذهلة المخبأة في مياه البحر الأبيض المتوسط العكرة تمثالان ضخمان من الجرانيت الأحمر لملك وملكة بطلميين، يبلغ طول كل منهما 15 قدمًا ويزن عدة أطنان.
وكان أبرز ما اكتشفه غوديو لوحة حجرية سوداء من الجرانيت الأسود سليمة تمامًا ومغطاة بالكتابات الهيروغليفية. يحمل هذا الجسم الذي يبلغ طوله ستة أقدام مرسومًا ملكيًا من الفرعون نختنبو الأول يعود تاريخه إلى عام 380 قبل الميلاد.
على مدى أكثر من عقدين من التنقيب المتواصل، كشف موقع ثونيس-هرقليون عن معبدين، وأكبر تمثال مصري للإله حابي، وعدد لا يحصى من الأدوات البرونزية المستخدمة في الطقوس الدينية، وأكثر من 100 حطام سفينة، بعضها يعود إلى الدمار العنيف الذي لحق بالمدينة نفسها.
بُنيت ثونيس-هرقليون على تربة طينية عند مصب النيل، وكانت عرضة بشكل فريد للزلازل. حوالي عام 150 قبل الميلاد، ضرب المدينة زلزال هائل أعقبه تسونامي. خلال الهزة، انهارت أسس المدينة بفعل تمييع التربة. ثم جرفت موجة قوية كل شيء إلى البحر.
يقول غوديو، الذي يُقدّر أنه لم يُكتشف سوى 5% من المدينة المدفونة: “في لمح البصر، غرقت المدينة وجميع معالمها الأثرية بعمق سبعة أمتار (حوالي 23 قدمًا)، وغطى البحر كل شيء”.
مدينة بورت رويال
في ذروة ثرائها وانحطاطها، عُرفت بورت رويال، جامايكا، بأنها “أكثر مدن العالم فسادًا”. خلال القرن السابع عشر، كانت هذه القاعدة البريطانية أكثر موانئ البحر الكاريبي ازدحامًا، وساحة استوائية سيئة السمعة، حيث كان التجار الأثرياء يختلطون بالقراصنة والبغايا.
ثم، في تمام الساعة 11:43 صباحًا من يوم 7 يونيو 1692، ضرب بورت رويال زلزال هائل وتسونامي هائلان، دفنا ثلثي المدينة التي كانت متألقة في يوم من الأيام تحت سطح البحر.
ذكر قس أنجليكاني نجا من الكارثة: “سمعنا دوي سقوط الكنيسة والبرج، فركضنا نحوهما لإنقاذ أنفسنا؛ توجهتُ نحو حصن مورغان، ظننتُ أنه المكان الأكثر أمانًا من المنازل المتساقطة، لكونه مكانًا واسعًا مفتوحًا؛ ولكن بينما كنتُ أتجه نحوه، رأيتُ الأرض تنشق وتبتلع حشدًا غفيرًا من الناس؛ والبحر يتصاعد فوق الحصن.”
قبل تدميرها، كانت بورت رويال موطنًا لما يُقدر بـ 7000 نسمة، من بينهم 2500 عبد. عاش أثرياء المدينة في منازل فخمة مبنية من الطوب، وكانوا يستمتعون بقضاء أوقات ممتعة في قاعات البلياردو والحانات وبيوت الدعارة.
استولى البريطانيون على بورت رويال من إسبانيا عام 1655، وعلى مدى الأربعين عامًا التالية أصبحت واحدة من أهم المراكز التجارية في العالم الجديد.
جاءت ثروة بورت رويال من تجارة الرقيق، بالإضافة إلى السكر وغيره من المواد الخام. كما كانت “الخصخصة” تجارةً رائجةً في منطقة البحر الكاريبي. تعاقدت التاج البريطاني مع قراصنة أو “قراصنة” لمداهمة السفن التجارية الفرنسية والإسبانية والهولندية وتقاسم الغنائم.
ووفقًا للكاهن الأنجليكاني، كان تدمير بورت رويال عقابًا إلهيًا لـ”شعبٍ مُنحطٍّ للغاية”. لقي أكثر من 2000 شخص حتفهم خلال الزلزال الأولي وموجة المد، ويُقدر أن 3000 آخرين لقوا حتفهم لاحقًا بسبب الإصابات والأمراض.
بدأت أعمال التنقيب الأثري تحت الماء في بورت رويال في خمسينيات القرن الماضي. حينها عثر إدوين وماريون لينك على ساعة جيب عمرها قرون توقفت في تمام الساعة 11:43 صباحًا. تتميز الآثار المغمورة بالمياه بحفظها الجيد، وقد زودت علماء الآثار بصورة مفصلة للحياة اليومية في القرن السابع عشر.
5 مدن غارقة تحت الماء والرمال
مدينة عتليت يام
اكتُشفت عتليت يام عام ١٩٨٤ في المياه الساحلية الضحلة قرب حيفا، إسرائيل، وهي موقع من العصر الحجري الحديث، استوطنه الإنسان لأول مرة حوالي عام ٦٩٠٠ قبل الميلاد، مما يجعلها أقدم مستوطنة بشرية معروفة عُثر عليها تحت الماء.
كان سكان عتليت يام مزارعين وصيادين، يعيشون في مساحة خصبة من الأرض خلفها انحسار مياه البحر الأبيض المتوسط. زرعوا القمح ورعوا الماشية. كما حفروا آبارًا عميقة مبطنة بالحجر للوصول إلى طبقات المياه الجوفية العذبة التي يزيد عمقها عن ٣٠ قدمًا تحت الأرض.
استوطن عتليت يام الأوائل خلال العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، الذي اتسم بظهور المساكن المستطيلة والاعتماد المتزايد على الحيوانات الأليفة. وقد اكتشف علماء الآثار آلاف القطع الأثرية المصنوعة من الصوان في عتليت يام، بما في ذلك شفرات منجل ورؤوس سهام وسكاكين.
من أكثر الاكتشافات إثارةً للاهتمام في أتليت يام دائرة من الحجارة الكبيرة المنتصبة، يُشبّهها بعض علماء الآثار بستونهنج. تُحيط هذه الحجارة بنبع طبيعي، وربما كانت تُستخدم لأغراضٍ طقسية، كملجأٍ مفتوح حيث كان المزارعون القدماء يُقدّمون القرابين لخيرهم الزراعي.
هُجرت أتليت يام بعد حوالي 600 عام من استيطانها. في نهاية المطاف، ابتلع البحر الأبيض المتوسط المُتدفّق القرية، ودفنها تحت سطح الماء على عمق 30 قدمًا.
مدينة بافلوبيتري
في المياه الساحلية الصافية قبالة منطقة بيلوبونيز جنوب اليونان، تقع بقايا ما يعتقد بعض علماء الآثار أنها أقدم مدينة مغمورة بالمياه في العالم. كان موقع العصر البرونزي، المعروف باسم بافلوبيتري، مأهولًا بين 2800 و1200 قبل الميلاد، أي قبل قرون من العصر اليوناني الكلاسيكي. قد يعود تاريخ المستوطنات البدائية مثل أتليت يام إلى فترةٍ سابقة، ولكن يبدو أن بافلوبيتري هي أقدم مدينةٍ مُخططةٍ عُثر عليها تحت الماء.
اكتُشفت بافلوبيتري لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، ولم تُنفَّذ أعمال التنقيب فيها بالكامل إلا مؤخرًا، كاشفةً عن شبكةٍ محفوظةٍ جيدًا من الشوارع المرصوفة بالحجارة، والمقابر المنحوتة في الصخر، والمباني الاحتفالية.
ويعتقد علماء الآثار أن أحد الهياكل الكبيرة المستطيلة ربما كان ميجارون – قاعةً كبيرةً من العصر الميسيني كانت مقدمةً للمعابد اليونانية.
لا يُعرف بالضبط سبب غرق بافلوبيتري تحت الماء حوالي عام 1000 قبل الميلاد، ولكن يُرجَّح أن ذلك كان نتيجةً لمزيجٍ من الزلازل وتغيراتٍ في مستوى سطح البحر في البحر الأبيض المتوسط. اليوم، يتراوح عمق الموقع بين 10 و15 قدمًا تحت الماء.
ونظرًا لعدم بناء أي مستوطنات أخرى فوقه، تُقدِّم أطلال بافلوبيتري أدلةً على الحياة اليومية في قريةٍ متوسطيةٍ من العصر البرونزي.
وقد استعاد علماء الآثار آلاف القطع من الفخار القديم من الموقع المغمور بالمياه، بما في ذلك جرارٌ مينويةٌ كبيرةٌ سليمةٌ وقواريرٌ تشير إلى تجارةٍ بحريةٍ نشطةٍ في الماضي.
صنّف صندوق الآثار العالمي بافلوبيتري على أنها “مهددة بشكل خطير” من قِبل السفن الكبيرة التي تمر عبر خليج فاتيكا في البيلوبونيز، وكذلك من قِبل اللصوص الذين يسرقون القطع الأثرية من الموقع.
اقرأ أيضًا:
«أثناء الولادة» امرأة تحكي تجربتها مع الموت لمدة نصف ساعة وما رأته على الجانب الأخر
مدينة باياي
لُقبت بـ”لاس فيغاس الإمبراطورية الرومانية”، وكانت الحمامات الحرارية في باياي القديمة ملعبًا مفتوحًا لجميع أنواع الأنشطة للنخبة الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد. واليوم، تُعد هذه المدينة السياحية الغارقة قبالة ساحل نابولي واحدة من المواقع الأثرية القديمة القليلة المغمورة بالمياه والمفتوحة للجولات العامة.
باياي ليست بعيدة عن جبل فيزوف، وتُعرف المنطقة بأكملها باسم حقول فليجرايان، وهي منطقة حرارية مائية نشطة للغاية داخل كالديرا بركانية منهارة. توافد الرومان القدماء على باياي للاستمتاع بحماماتها الحرارية المريحة، وبنوا فيلات فخمة لاستضافة حفلات ملذات وإخفاء علاقات غرامية غير مشروعة.
على عكس مدينة بورت رويال “الخاطئة”، لم تتعرض باياي لزلزال مدمر، بل ابتلعها البحر ببطء من خلال عملية جيولوجية تُسمى “البراديسيزم”، حيث ترتفع الأرض فوق منطقة حرارية مائية وتنخفض دوريًا.
وقبل ألفي عام، كانت فيلات وحمامات بايا المزخرفة بزخارفها على مستوى سطح البحر، لكنها الآن على عمق يتراوح بين 20 و30 قدمًا تحت خليج بوتسولي.
اليوم، يمكن للزوار ممارسة رياضة الغطس أو الغوص تحت الماء عبر الأطلال الغارقة في منتزه باياي الأثري تحت الماء (تتوفر أيضًا قوارب ذات قاع زجاجي). تشمل المعالم السياحية تحت الماء أرضيات رخامية مبلطة بشكل جميل، وكهوفًا ترفيهية، وتماثيل غارقة.
