في زمنٍ كانت فيه المرأة تُقاس بأنوثتها وفضيلتها عبر مظهرها الخارجي، برز الشعر الطويل كرمزٍ للجمال والكمال في العصر الفيكتوري (1837–1901).
ولم يكن الشعر الطويل مجرد زينة، بل كان يحمل دلالات اجتماعية وثقافية عميقة، تُغذّيها القصص والأساطير، مثل قصة “ربانزل” التي أسرت خيال الأجيال.
فهل كانت ربانزل تجسيدًا خياليًا لمُثُلٍ واقعية أم أن العصر الفيكتوري تبنّى خيالات الطفولة في تصوراته عن المرأة المثالية؟

دلالات الشعر الطويل في العصر الفيكتوري
في القرن التاسع عشر، حين كانت الملكة فيكتوريا تحكم بريطانيا وتُحدِّد ملامح الذوق العام والأخلاق الاجتماعية، أصبح الشعر الطويل للمرأة رمزًا صارخًا للجمال، والفضيلة، وحتى النقاء.
ولم يكن مجرد خصلات تُصفف بل عُدّ امتدادًا لهوية المرأة الفيكتورية: ساكنة، صامتة، ومُكرَّسة للعائلة والمنزل.

وفي هذا السياق، برزت صورة المرأة ذات الشعر الطويل في لوحات الفنانين، وفي الشعر الرومانسي، وحتى في الكتب التربوية التي كانت توجه النساء إلى العناية بشعرهن كواجب أخلاقي وجمالي.
ويُقال إن النساء كنّ نادرًا ما يقصصن شعورهن، إذ إن الشعر الطويل كان يُعدُّ “تاجًا طبيعيًا” لا يُفرّط فيه.
العلاقة بين صورة المرأة الفيكتورية وربانزل
وسط هذا التقديس، تلاقت صورة المرأة ذات الشعر الطويل مع الأسطورة القديمة: ربانزل. الفتاة المحبوسة في البرج، التي أُطلق لها العنان فقط من خلال شعرها، لم تكن مجرد قصة للأطفال، بل مرآة لواقع المرأة الفيكتورية: محاصرة داخل أطر المجتمع، لا يُسمح لها بالحركة أو الاختيار، إلا عندما “يمدّ الآخرون” أيديهم إليها — أو بالأحرى، يتسلّقون شعرها.
ربانزل كانت تشبه المرأة الفيكتورية في سكونها وطول انتظارها، وفي شعرها الذي لم يكن فقط وسيلة للهروب، بل رمزًا للجاذبية والقيود في آنٍ معًا.
وفي بعض اللوحات الفيكتورية، نجد نساءً ذوات شعورٍ طويلة تتدلّى حول أجسادهن في مشهدٍ أشبه بالسحر — وكأن الشعر هو ما يُبقي المرأة داخل سجنها، وهو ما يمكن أن يحرّرها في الوقت نفسه.
ولعل هذه الثنائية، بين الحبس والحرية، وبين الجمال والقيد، هي ما جعلت الشعر الطويل يُعامل في ذلك العصر ككائن له روح. حتى أن النساء كنّ يحتفظن بخصل شعر الحبيب كتذكار عاطفي خالد، تُطرّز به القلائد أو تُحفظ داخل الألبومات.
اليوم، حين نقرأ قصة ربانزل، قد نراها حكاية بريئة، لكن حين نُسقطها على زمنٍ مثل العصر الفيكتوري، تبدو أكثر واقعية مما نظن. إنها قصة كل امرأة حوصرت في صورةٍ نمطية، ووجدت في “شَعرها” — بمعناه الرمزي — طريقًا للهروب أو المقاومة.