يزعم عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن أدولف هتلر لم يمت في مخبئه ببرلين كما تروي الرواية الرسمية، بل تمكن من تزوير موته والهروب إلى الأرجنتين، حيث سعى أنصاره إلى إعادة بناء الإمبراطورية النازية المنهارة.

بوب باير، الذي أمضى 21 عامًا من حياته المهنية في العمل الاستخباراتي، يشير إلى أن التاريخ المتعارف عليه حول انتحار هتلر في عام 1945 ربما يحتاج إلى مراجعة جذرية، خصوصًا في ظل ظهور وثائق صادمة يُنتظر الكشف عنها قريبًا.

هتلر زيف موته وهرب إلى الأرجنتين

يتوقع باير، أن تتضمن الوثائق، المنتظر الإفراج عنها من الأرجنتين، تفاصيل تكشف عن صلات محتملة بين الديكتاتور النازي وحكومة إحدى دول أمريكا الجنوبية التي قد تكون آوته بعد فراره من أوروبا.

ويرجح أن تساعد هذه الأرشيفات في تسليط الضوء على الشبكات التي وفرت الملاذ للنازيين الهاربين، وعلى الجهود التي بُذلت لإعادة إحياء الرايخ الرابع في القارة الجنوبية، بما في ذلك تورط مسؤولين أرجنتينيين في تقديم الدعم والمأوى، ومشاركة في عمليات غسيل أموال ومشاريع بحثية سرية.

من بين المواقع التي يلفت إليها باير الانتباه، موقع أثري في مقاطعة ميسيونيس الأرجنتينية، اكتُشف في عام 2015، ويُعتقد أنه كان مخبأ نازيًا، إلى جانب مشروع نووي سري يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، على جزيرة نائية، حيث يُقال إن عالِمًا نازيًا أدار مختبرًا للاندماج النووي بدعم من الرئيس الأرجنتيني آنذاك، خوان بيرون.

حتى الآن، لم يُحدد موعد نشر هذه الوثائق، إلا أن المزاعم حول هروب هتلر ليست جديدة، إذ خضعت منذ عقود لدراسات ومناقشات جادة. ويؤكد باير، أن حكومة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور تعاملت مع احتمال نجاة هتلر بجدية تامة.

وثائقي بعنوان “مطاردة هتلر”

في عام 2015، في برنامج وثائقي بعنوان “مطاردة هتلر” عُرض على قناة التاريخ، شارك باير وآخرون في استعراض مجموعة من النظريات بشأن هروب هتلر، مستعرضين أدلة وشهادات جديدة حول كيفية إعادة النازيين تنظيم صفوفهم بمساعدة قادة متعاطفين في أمريكا الجنوبية.

وأشار باير إلى الاكتشاف في مقاطعة ميسيونيس باعتباره “أكثر ما يثير الاهتمام حتى الآن”، موضحًا أن المنطقة كانت تضم مجمعًا سكنيًا متكاملًا مزوّدًا بشبكات صرف صحي وكهرباء، وهو أمر غير مألوف في منطقة نائية كهذه. كما عُثر في الموقع على تذكارات نازية، بما في ذلك عملات ألمانية تعود لفترة الحرب العالمية الثانية. قال باير: “لو كنت ستخفي هتلر، لاخترت هذا المكان”.

رغم ذلك، لا يزال المؤرخون في الغالب يتفقون على أن هتلر وزوجته إيفا براون انتحرا في أبريل عام 1945 داخل مخبأ تحت الأرض مع تقدم القوات السوفيتية نحو برلين.

وتشير الروايات الرسمية إلى أن جثتيهما أُحرقتا جزئيًا ودُفنتا في حفرة ناتجة عن قنبلة. لاحقًا، تم استخراج رفاتهما، وتعرف المسؤولون السوفييت عليهما من خلال سجلات الأسنان.

وقد نُقلت بقاياهما إلى ألمانيا الشرقية، ثم دمرتها وكالة المخابرات السوفيتية (كي جي بي) عام 1970، باستثناء عظمة فك وجزء من جمجمة نُقلا لاحقًا إلى موسكو.

في تلك الأثناء، تمكن الآلاف من مجرمي الحرب النازيين والمتعاونين معهم، مثل أدولف آيخمان، أحد مخططي الهولوكوست، وجوزيف مينغيل، المعروف بلقب “ملاك الموت”، من الفرار إلى أمريكا الجنوبية عبر شبكات تهريب سرية.

نظريات هروب هتلر

ومنذ اللحظات الأولى لوفاة هتلر المفترضة، ظهرت نظريات تُشير إلى أنه نجا بالفعل، وربما فرّ عبر نفق أو سافر إلى جزر الكناري، ومنها إلى أمريكا الجنوبية على متن غواصة. ورغم أن هذه النظريات رُفضت طويلاً، إلا أنها حظيت باهتمام متجدد عام 2009، عندما أظهرت فحوصات الحمض النووي أن شظية الجمجمة المحفوظة في موسكو – التي كان يُعتقد أنها تعود لهتلر – تعود في الواقع إلى امرأة يتراوح عمرها بين 20 و40 عامًا.

ووصف باير هذا الغموض بأنه “واحد من أعظم الألغاز في التاريخ التي قد لا نحصل على إجابة كاملة لها على الإطلاق”.

وفي تطور جديد، عادت ملفات رفعت عنها وكالة المخابرات المركزية السرية عام 2017 إلى الواجهة في أوائل أبريل. وتحتوي إحدى هذه الوثائق على صورة لرجل يُشبه هتلر، أُرسلت إلى الوكالة عام 1955، وتُظهر أنه ربما كان يعيش في كولومبيا بهوية مزورة بعد عقد من سقوط الرايخ الثالث.

وتصف وثيقة أخرى من عام 1945، بعنوان “مخبأ هتلر في الأرجنتين”، فندقًا صحيًا في منطقة لا فالدا، تملكه مجموعة من أصدقاء هتلر ومؤيديه، يُعتقد أنه كان أحد الأماكن التي كان يمكن له الفرار إليها.

ورغم أن وكالة المخابرات المركزية أصدرت تقريرًا يؤكد فيه الطب الشرعي أن هتلر انتحر، إلا أن تحقيقات الوكالة في خمسينيات القرن الماضي في تقارير وشهادات مشككة تُشير إلى أن مسألة نجاته كانت تؤخذ على محمل الجد، على الأقل من بعض المسؤولين.

قال باير: “وكالة الاستخبارات المركزية لا تُدار بناءً على فضول الضباط الميدانيين”، مضيفًا أن مجرد فتح تحقيقات بهذا الشأن بعد عقد من الحرب يُعد دليلًا على أن الحكومة الأمريكية، وعلى رأسها السلطة التنفيذية، رأت في نجاته احتمالًا لا يمكن تجاهله.

وثائق سرية من الأرجنتين

ويأمل باير أن تساعد الأرشيفات التي سيتم الإفراج عنها قريبًا في الإجابة عن المزيد من الأسئلة، خاصة بعد أن وافق الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي على رفع السرية عن الوثائق عقب اجتماع في فبراير مع ممثلين عن مركز سيمون فيزنتال، الذين طالبوا بالكشف عن سجلات تتعلق بخطوط تهريب استخدمها نحو 10 آلاف نازي فار ومجرم حرب فاشي.

ومن المعروف أن العديد من هؤلاء الهاربين عبروا من ألمانيا إلى إسبانيا وإيطاليا، ومنها إلى الأمريكيتين عبر المحيط الأطلسي. وفي بعض الحالات، اختطفت المخابرات الأمريكية علماء نازيين من خطوط التهريب لضمان مشاركتهم في البرامج العسكرية الأمريكية إبان الحرب الباردة.

ومن ضمن ما يأمل باير في كشفه أيضًا، معلومات حول المختبر النووي على جزيرة هويمول، بالقرب من باريلوتشي، حيث يُعتقد أن علماء نازيين عملوا على تطوير طاقة الاندماج النووي لصالح نظام بيرون.

ويذهب باير إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يرى أن هناك احتمالية لمحاولات حقيقية لإنشاء الرايخ الرابع، مع خطط تضمنت تنفيذ هجوم نووي محتمل على مدينة مانهاتن الأمريكية.

لكن زميله الدكتور جون سينسيتش، المحقق السابق في جرائم الحرب لدى الأمم المتحدة، والذي عمل مع باير في البرنامج التلفزيوني، يُبدي حذرًا أكبر.

قال سينسيتش لصحيفة ديلي ميل: “أشك في أن النازيين الذين انتقلوا إلى الأرجنتين استطاعوا الاقتراب من إحياء الإمبراطورية النازية”. وأضاف: “الكثير منهم ظلوا يتبعون فكر هتلر، وربما لم يصدقوا أنه مات، لكنهم في النهاية مجرد نازيين سابقين محبطين، هربوا إلى هناك لتفادي الملاحقة القضائية، وظلوا يعيشون في ماضيهم”.