في غضون أول 100 يوم من عودته إلى البيت الأبيض، شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية سلسلة من السياسات الخارجية والداخلية التي وصفت بأنها الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، محدثًا هزات عنيفة في النظام العالمي الذي ساهمت بلاده في بنائه عقب الحرب العالمية الثانية.
فمن حرب جمركية شاملة، إلى تجاهل التحالفات الدولية، واحتضان مواقف مثيرة للجدل بشأن روسيا وأوكرانيا، تبنّى ترامب نهجًا غير تقليدي تجسّد في شعاره “أميركا أولًا”، لكنه – بحسب مراقبين – بات يُفسر اليوم على أنه “أميركا وحدها”.

ترامب في ولايته الثانية.. تفكيك تحالفات راسخة وزعزعة الثقة الدولية
في خطوات غير مسبوقة، خفض ترامب في ولايته الثانية المساعدات الخارجية، وهاجم الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وسخر من التزامات واشنطن الدولية. كما تبنّى رواية موسكو بشأن حرب أوكرانيا، وأثار جدلًا باقتراحه ضم غرينلاند واستعادة قناة بنما، بل ووصف كندا بأنها “الولاية 51”.
ووفق شهادات أكثر من 12 مسؤولًا ودبلوماسيًا وخبيرًا، فإن هذه التحركات تسببت في اضطراب بالغ في بنية العلاقات الدولية، وأثارت مخاوف حلفاء أميركا من إمكانية تحوّل هذه السياسات إلى نهج دائم يصعب التراجع عنه.

دول تتحوّط.. والصين تملأ الفراغ
في مواجهة هذا التغيّر الجذري، بدأت عدة دول في تعديل استراتيجياتها. فالاتحاد الأوروبي أعدّ قائمة برسوم مضادة، فيما قررت ألمانيا وفرنسا زيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز صناعاتهما العسكرية. أما كندا، فسعت لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع أوروبا. وفي آسيا، أبدت كوريا الجنوبية واليابان قلقًا متزايدًا من نهج واشنطن، وسط تهديدات بسحب القوات الأميركية وفرض رسوم تجارية مفاجئة.
وفي المقابل، استفادت الصين من هذا التحول، إذ تعزز دورها كبديل دبلوماسي واقتصادي، كما اجتذبت قادة دول مثل إسبانيا لتعزيز التعاون الاقتصادي، فيما تسعى لملء الفراغ الذي خلفه تراجع الدعم الأميركي في مجالات إنسانية وتجارية.
الديمقراطية تحت الضغط في الداخل
لم تقتصر سياسات ترامب في ولايته الثانية على إثارة الجدل في الخارج، ففي الداخل، يرى منتقدون أن الديمقراطية الأميركية تمر بمنعطف خطير، في ظل هجمات متكررة على القضاء، وضغوط على الجامعات، ونقل المهاجرين إلى سجون سيئة السمعة في إطار حملات ترحيل واسعة. وتشير استطلاعات إلى أن أكثر من نصف الأميركيين – بمن فيهم خُمس الجمهوريين – يعتقدون أن ترامب مرتبط بشكل وثيق بروسيا، ما يثير تساؤلات حول استقلالية قراراته.
واشنطن تبرر.. لكن الحلفاء يتهيأون للأسوأ
في مواجهة هذه الانتقادات، يؤكد البيت الأبيض أن ترامب يعمل على “تصحيح مسار القيادة العالمية” بعد ما يعتبره “تهورًا” من إدارة بايدن. وأوضح رايان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، أن ترامب يتخذ خطوات “حاسمة” لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ووقف تهريب الفنتانيل، والتصدي للصين، وإرغام إيران على العودة إلى المفاوضات.
لكن الحلفاء لا يشاركون واشنطن هذا التفاؤل. فقد عبّر المستشار الألماني المنتخب فريدريش ميرتس عن قلقه من نهج ترامب، محذرًا من تحول شعار “أميركا أولًا” إلى “أميركا وحدها”، معتبرا أن ذلك “يمثل مرحلة ما قبل الكارثة لأوروبا”.
النظام العالمي على المحك
يرى مراقبون أن النظام العالمي، القائم منذ 8 عقود على التجارة الحرة، وسيادة القانون، واحترام الحدود، يتعرض اليوم لاختبار قاسٍ. إذ باتت الدول تعيد تقييم علاقاتها بواشنطن تحسبًا لتقلبات سياساتها. وفي الوقت نفسه، لا تلوح في الأفق مؤشرات على تغيير جذري في مواقف ترامب، ما يدفع الحلفاء إلى التفكير في بناء بدائل استراتيجية، لا سيما في مجال الأمن والدفاع والاقتصاد.
ورغم أن بعض المحللين، مثل الدبلوماسي الأميركي المخضرم آرون ديفيد ميلر، لا يزالون يرون فرصة أمام ترامب في ولايته الثانية لتعديل مساره، فإن الغالبية تتفق على أن العالم بات أكثر حذرًا، وأن السياسة الخارجية الأميركية لم تعد تُقرأ كما كانت سابقًا.
اقرأ يضًا: