كشفت هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية العامة (MDR) عن وثائق سرية جديدة تُسلط الضوء على تفاصيل غير معروفة سابقًا بشأن فرار الطبيب النازي جوزيف منجيله، المعروف بلقب “ملاك الموت”، من ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، وإقامته في أمريكا الجنوبية تحت أسماء مستعارة.
وأظهرت وثيقة اكتُشفت مؤخرًا في الأرجنتين أن منجيله تقدم في عام 1959 بطلب رسمي للسفر من الأرجنتين إلى ألمانيا الغربية مستخدمًا اسمه الحقيقي، وهو ما اعتُبر مفاجأة كبيرة، نظرًا لكونه أحد أكثر مجرمي الحرب شهرة، والمطلوبين للعدالة في ذلك الوقت.
وثائق سرية جديدة
ووفقًا للتحقيق الذي أجرته MDR، فإن هذه الخطوة تزامنت مع تقارير عن مرض والده في ألمانيا، وهو ما يُشير، بحسب المؤرخ والخبير في الشؤون النازية بوغدان موسيال، إلى أن منجيله كان يتمتع بشعور قوي بالأمان والثقة في قدرته على التحرك بحرية دون التعرض للاعتقال.
ورغم هذا الطلب، أفادت وزارة الخارجية الألمانية لـMDR بأنها لا تمتلك أي معلومات تؤكد ما إذا كانت الزيارة قد تمت بالفعل، مما يثير تساؤلات جديدة حول حجم المعلومات المتوفرة لدى الحكومات بشأن تحركات منغيله بعد الحرب.
وأضاف موسيال أن الوثائق المكتشفة توحي بأن عدة دول كانت على دراية أكبر بتحركات منغيله خلال فترة فراره مما كان يُعتقد سابقًا.
وبحسب قوله، فإن “الوثائق تُظهر أن هوية منغيله كانت محمية بشكل جيد خلال سنوات نفيه، رغم الجهود المتواصلة التي بذلتها الحكومة الألمانية وجهاز الموساد الإسرائيلي لتعقبه والقبض عليه”.
قوات الأمن الخاصة النازية
ويُعرف منغيله، الذي كان ضابطًا وطبيبًا في قوات الأمن الخاصة النازية (SS)، بأنه نفّذ تجارب طبية مروّعة على السجناء في معسكر الإبادة “أوشفيتز”، حيث استهدف بشكل خاص التوائم والنساء الحوامل والأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية، وغالبًا ما كانت هذه التجارب تُجرى دون تخدير وتنتهي بموت الضحايا.
كما كان يؤدي دورًا أساسيًا في عملية “الاختيار” عند وصول السجناء، إذ يقرر من يُرسل إلى العمل القسري ومن يُعدم على الفور.
بعد هزيمة ألمانيا النازية، فرّ منغيله من أوروبا عام 1949 واستقر في أمريكا الجنوبية، حيث عاش تحت أسماء مستعارة لعدة سنوات، متفاديًا القبض عليه حتى وفاته بنوبة قلبية في البرازيل عام 1979.
اقرأ أيضًا
«عملية السندور» الهند تشن هجومًا على باكستان والعالم يخشى الحرب النووية
السلطات الأرجنتينية
وفي سياق متصل، أصدرت السلطات الأرجنتينية في وقت سابق من هذا الشهر نحو 1850 وثيقة سرية كانت محفوظة في الأرشيف الوطني، تلقي الضوء على الكيفية التي هرب بها عدد كبير من النازيين إلى الأرجنتين بعد الحرب، ضمن ما بات يُعرف بـ”خطوط الجرذان” – وهي شبكات غير رسمية ساعدت مجرمي الحرب على الفرار من أوروبا.
وتضم الوثائق تفاصيل مالية ومصرفية تُوضح كيف أعاد هؤلاء الفارّون توطين أنفسهم في البلاد، بالإضافة إلى سجلات محفوظة لدى وزارة الدفاع الأرجنتينية.
وبحسب تقرير MDR، تحتوي الوثائق على نحو 100 صفحة تسلط الضوء على حياة منغيله في الأرجنتين، والجهود التي بذلتها السلطات للبحث عنه. وتعتبر هذه الوثائق مصدرًا مهمًا لفهم شبكة الدعم التي ساعدت مجرمي الحرب النازيين على الإفلات من العدالة لسنوات طويلة.
ولعقود من الزمن، سعت منظمات مثل “مركز سيمون فيزنتال” – المسمى تيمّنًا بصائد النازيين الشهير – إلى الكشف عن تفاصيل هذه الشبكات والطرق التي استخدمها النازيون للهروب من أوروبا بعد الهولوكوست.
وتُقدّر الأرقام أن نحو 10,000 نازي ومجرم حرب فاشي فرّوا من العدالة إلى الأرجنتين ودول أخرى.
إلى جانب الأرجنتين، استقبلت دول أخرى في الأمريكتين مثل كندا، والولايات المتحدة، والمكسيك، عددًا من الفارّين النازيين، كما لجأ بعضهم إلى أستراليا، وإسبانيا، وسويسرا.
وفي بعض الحالات، أقدمت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على خطف بعض العلماء النازيين البارزين ونقلهم من مناطق النفوذ السوفيتي إلى الولايات المتحدة ضمن ما عُرف بـ”عملية مشبك الورق”.
ويُقدّر أن نحو 5000 نازي استقروا في الأرجنتين وحدها، من بينهم منغيله، وكذلك أدولف آيخمان، الذي يُعد أحد مهندسي الهولوكوست، وقد تم القبض عليه على يد عملاء الموساد في الأرجنتين عام 1960 ونُقل إلى إسرائيل، حيث أُعدم عام 1962 بعد محاكمة علنية.