يُعتبر السبب الذي دفع المتهم الرئيسي في اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي إلى القتل بعد يومين فقط من تنفيذ الجريمة، أحد أكثر الألغاز غموضًا في التاريخ الأمريكي.
فما الذي جعل جاك روبي، مالك نادٍ للتعري، يُطلق النار على لي هارفي أوزوالد، المتهم باغتيال كينيدي، بينما كان يُنقل عبر قبو مركز شرطة دالاس، في بث حي ومباشر على شاشات التلفزة الوطنية؟
«اغتيال جون كينيدي»
لجنة وارن، التي شكلتها الحكومة الأمريكية للتحقيق في اغتيال كينيدي، خلصت إلى أن روبي، تمامًا كأوزوالد، لم يكن سوى شخصية منعزلة ومضطربة نفسيًا. ومنذ ذلك الحين، ظل هذا التفسير هو الرواية الرسمية.
إلا أن وثيقة صادمة، كُشف عنها في كتاب جديد للكاتب دامون ويست، تُقدم تفسيرًا مختلفًا وأكثر إثارة للقلق.
الوثيقة، وهي رسالة مكتوبة بخط اليد تُنشر لأول مرة، تُعد شهادة مرعبة توضح أن جاك روبي، الذي كان معروفًا بعلاقاته بالمافيا، تلقّى أوامر مباشرة بتنفيذ عملية القتل من فرانك كوستيلو، أحد زعماء مافيا شيكاغو.
كُتبت الرسالة من قبل جيري توماس “جي تي” جود، أحد كبار رجال العصابات في دالاس خلال أوائل الستينيات، ووجّهها إلى دامون ويست، الذي كان في السابق أحد زعماء الجريمة المنظمة، قبل أن يغيّر مسار حياته.
التقى ويست بجاي تي أثناء قضاء حكم في وحدة مارك ستايلز، أحد السجون ذات الحراسة المشددة في ولاية تكساس.
اقرأ أيضًا
ترامب: غزة « مكان بغيض».. ويجب أن تتحول إلى منطقة حرية
نص رسالة الاعتراف باغتيال جون كينيدي
يقول ويست: “من أكثر الشخصيات المثيرة التي قابلتها في السجن قبل أن أغير حياتي كان رجل عصابات من دالاس يُدعى جيري توماس “جي تي” جود. كان رجلًا مسنًا، أصلع، قصير القامة، يرتدي نظارات شمسية بلون الكراميل، تُذكّرك بأفلام الكازينو في السبعينيات.
رغم تقدمه في السن، كانت خطواته ثابتة وهادئة، كأنها تنتمي لرجل يعرف تمامًا من هو وماذا يُمثل، حتى في عالم السجن القاسي.
ذات مرة، سمعت جي تي يُخاطب مجموعة من أعضاء عصابتي “كريبس” و”بلودز”، الذين كانوا على وشك الدخول في شجار، قائلاً لهم إنهم لا يعرفون المعنى الحقيقي لكونك رجل عصابات.
كان ذكيًا، ساخرًا، ومخيفًا في آنٍ واحد، يتنقّل في السجن مدعيًا أنه يحمل قدرة شفاء المسيح. لكنه لم يكن دائمًا كذلك، إذ بدأ مسيرته في أوائل الستينيات بتهريب الفتيات، والأسلحة، والمخدرات لصالح المافيا”.
يضيف ويست: “أبدى اهتمامًا بي منذ البداية، لأنني كنت من دالاس ومن عالم الجريمة المنظمة ذاته، وقال لي: ’نحن أمثال بعض، ويجب أن نتكاتف‘”.
وبحسب جاي تي، فإن مافيا نيويورك وشيكاغو هما من تقفان وراء اغتيال جون كينيدي.
ومع تطوّر العلاقة بين ويست وجاي تي، بدأ الأخير يسرد له قصصًا من ماضيه المرتبط بالمافيا ورجالها الذين لم يكونوا يخشون أي سلطة.
قال: “كان عدد رجال الشرطة الذين يتقاضون رشى في تلك الفترة كبيرًا جدًا، لدرجة أن المافيا كانت تتصرف بحرية مطلقة. كنا نُسيطر على شوارع دالاس”.
قصة الضابط جاي دي تيبيت
من بين القصص التي رواها، قصة الضابط جاي دي تيبيت، الشرطي الذي قُتل برصاص لي هارفي أوزوالد في حي أوك كليف في 22 نوفمبر 1963، بعد قرابة 45 دقيقة من اغتيال كينيدي.
قال جاي تي: “كان تيبيت من أفضل رجال الشرطة لدينا. كنا نعتمد عليه كثيرًا، حتى في مسح آثار الفوضى التي يُحدثها الآخرون”.
ويكشف جاي تي أن تيبيت أُرسل في ذلك اليوم لقتل أوزوالد بهدف إغلاق الملف نهائيًا، لكن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها، فقد أطلق أوزوالد النار عليه وقتله قبل أن يُنفّذ مهمته.
وهكذا، أصبح أوزوالد في قبضة الشرطة، يصرخ أمام العالم: “أنا مجرد كبش فداء”، في إشارة إلى وجود قتلة حقيقيين يقفون خلفه.
وهنا تأتي أهمية الرسالة التي دوّنها جاي تي، والتي شرح فيها لويست سبب إقدام جاك روبي على قتل أوزوالد، وهي رواية لم يُعلن عنها من قبل.
يقول جاي تي إن الأحداث بدأت بعد ساعات من اغتيال كينيدي، عندما ظهرت امرأة تُدعى سو لوف على باب شقته وهي في حالة هلع، تطلب مساعدته.
كانت سو ترتجف من شدة الخوف، وأخبرته أن صديقتها ساندي، راقصة تعمل في نادٍ يمتلكه روبي يُدعى “كاروسيل”، أصبحت في ورطة كبيرة.
في رسالته، ينقل جاي تي القصة كما روتها له سو، موضحًا بعض التفاصيل لتيسير الفهم:
قالت سو: “جميع الراقصات ملزمات بمغادرة النادي في موعد أقصاه الواحدة صباحًا في أيام الأسبوع، والثانية صباحًا ليلة السبت. روبي يغضب كثيرًا إذا لم تُغادر الفتيات في الوقت المحدد.
الفتيات يعرفن أنه يُدير أعماله الحقيقية بعد إغلاق النادي – اجتماعات مع شركاء المافيا، قضايا تهريب الهيروين مع جو سيفيلو (رجل عصابات وتاجر مخدرات)، وغيرها.
لكن ساندي كانت تخطط لترك العمل والارتباط برجل طيار يكبرها سنًا، لذا تأخرت عن موعد المغادرة، منشغلة بجمع فساتينها وأغراضها.
ظنّت أن لديها متسعًا من الوقت، فأمسكت بحقيبتها وتسللت نحو الباب. وبينما كانت تمر بجوار مكتب روبي في الطابق العلوي، سمعت صوتين يتجادلان بصوت مرتفع”.
كان أحد الصوتين يعود لروبي، أما الآخر فكان فرانك كوستيلو، زعيم مافيا نيويورك وشيكاغو، وفقًا لما قالته سو.
تقول ساندي، بحسب رواية سو: كوستيلو قال: “جاك، عليك أن تفعلها”.
رد روبي: “قلت لك، ابحث عن شخص آخر”.
كوستيلو: “ليس لديك خيار يا جاك. نحن من اعتنى بك على مدار 25 سنة. لذا، ستفعل ذلك. وإلا، سنقضي على كل شخص تحبه، حتى كلبك الصغير العزيز. ولن تُحب أن تعرف ما سنفعله بك قبل قتلك”.
حاولت ساندي التسلل من المكان دون أن يلحظها أحد، لكنها على ما يبدو كشفت وجودها بطريقة ما – صوت أو ظل ربما. فاندفعت مسرعة إلى الشارع، وهناك كانت سيارة أجرة متوقفة على بُعد حوالي 100 قدم.
قفزت إلى داخلها وصرخت بالسائق لينطلق فورًا، بينما كان روبي وكوستيلو يهرعان خارجًا بسلاحَيهما في محاولة للحاق بها. ولم تعد ساندي إلى شقتها، واختفت عن الأنظار. وبدأ غرباء يتنقلون بين نوادي التعري في المدينة يسألون عنها.
كانت تنوي الاختباء لبضعة أشهر، ثم السفر إلى أتلانتا، جورجيا، بهوية جديدة. قالت سو: “أرجوكم، ساعدوها”. لكن الأمور لم تنتهِ على هذا النحو.
فبعد وقت قصير، ألقت شرطة دالاس القبض على ساندي واقتادتها إلى السجن، وهناك – وفقًا لما يرويه جاي تي – “قيل إنها شنقت نفسها باستخدام بنطالها المطاطي”.