شهد الدولار الأميركي تقلبات حادة خلال تعاملات الجمعة، في ظل حالة من الترقب لصدور بيانات التضخم المحورية، وسط تصاعد المخاوف بشأن الاستقرار المالي والسياسات التجارية للولايات المتحدة. وتتجه العملة الأميركية لتسجيل تراجع للشهر الخامس على التوالي، ما يعكس تنامي القلق لدى المستثمرين.
تأرجح سعر الدولار
وخلال الأسبوع، تأرجحت حركة الدولار بشكل ملحوظ، مع إغلاق الجلسة السابقة على انخفاض لافت، عقب صدور حكم قضائي مؤقت من محكمة فيدرالية بإعادة فرض رسوم جمركية كبرى كانت قد أُلغيت بقرار قضائي آخر قبلها بيوم واحد فقط. وأثار هذا التباين القانوني حالة من البلبلة في الأسواق، في وقت أعرب فيه الرئيس السابق دونالد ترمب عن أمله في أن تتدخل المحكمة العليا لإلغاء قرار المحكمة التجارية، ملمحًا إلى استخدام صلاحيات رئاسية بديلة لإبقاء الرسوم سارية.

هذه التوترات المتصاعدة أثرت سلبًا على معنويات المستثمرين، الذين بدأوا في تحويل استثماراتهم بعيدًا عن الأصول الأميركية نحو ملاذات أكثر استقرارًا، في ظل المخاوف من تأثير السياسات التجارية المتقلبة لترمب على أداء الاقتصاد الأميركي.
وفي هذا السياق، قال كيت جوكس، كبير استراتيجيي العملات الأجنبية في بنك “سوسيتيه جنرال”: “التطورات الأخيرة تجعل الولايات المتحدة أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، رغم استمرار تدفق بعض رؤوس الأموال إلى السوق الأميركي”. وأوضح أن المستثمرين سيبحثون عن محفزات أكثر وضوحًا، كارتفاع عوائد السندات أو تراجع بسيط في قيمة الدولار.
ضغوط على الدولار قبيل بيانات التضخم
ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.3% إلى مستوى 99.56، إلا أنه لا يزال مرشحًا لإنهاء شهر مايو بخسارة طفيفة بنسبة 0.10%، ما يجعله في المنطقة السلبية للشهر الخامس على التوالي.
في المقابل، أظهر اليورو استقرارًا نسبيًا، حيث سجل 1.1331 دولار، قبل صدور بيانات التضخم الألماني لشهر مايو، بينما حافظ الفرنك السويسري على مستواه عند 0.8243 دولار. وتشير التوقعات إلى خسائر شهرية للدولار مقابل الفرنك واليورو والجنيه الإسترليني.
وتزامن ذلك مع صدور بيانات اقتصادية أميركية خيبت آمال الأسواق، حيث لم تسهم تقارير طلبات إعانة البطالة والنمو الاقتصادي الصادرة يوم الخميس في تهدئة المخاوف من تباطؤ محتمل في الاقتصاد الأميركي.
وتتجه الأنظار حاليًا إلى تقرير نفقات الاستهلاك الشخصي، المقياس المفضل لدى “الاحتياطي الفيدرالي” لقياس التضخم، والذي سيصدر لاحقًا اليوم. وتشير التوقعات إلى ارتفاع التضخم بنسبة 2.2% في أبريل، انخفاضًا من 2.3% في مارس، وفق استطلاع أجرته “رويترز” لآراء خبراء اقتصاديين.
عملات الأسواق الناشئة تتألق… والين الياباني يتعرض لضغوط
في ظل تراجع الدولار، شهدت عملات الأسواق الناشئة أداءً قويًا، حيث ارتفع مؤشر يقيس تحركاتها بنسبة قاربت 2% خلال مايو، مسجلًا أفضل أداء شهري منذ نوفمبر 2023.
أما الين الياباني، فقد استقر عند 144.05 مقابل الدولار، بعد صدور بيانات أظهرت ارتفاع التضخم الأساسي في طوكيو لأعلى مستوى له منذ أكثر من عامين، ما عزز التوقعات بأن بنك اليابان المركزي قد يتجه إلى رفع أسعار الفائدة.
وقال مين جو كانغ، كبير الاقتصاديين في بنك “آي إن جي”: “بنك اليابان يواجه معضلة؛ فالتضخم لا يزال مرتفعًا، بينما يبقى التعافي الاقتصادي هشًا في ظل التأثيرات السلبية للرسوم الجمركية الأميركية”.
ورغم هذه التحديات، يتجه الين لتسجيل أول تراجع شهري له هذا العام مقابل الدولار.
مخاوف متزايدة بشأن الدين العام
على صعيد أوسع، تثير مستويات الدين العام المرتفعة في الاقتصادات المتقدمة، خصوصًا في الولايات المتحدة واليابان، قلق المستثمرين، لا سيما مع ضعف الإقبال على السندات طويلة الأجل، ما يعكس مخاوف بشأن الاستقرار المالي على المدى الطويل.
وقال جوكس في تعليق إضافي: “يكمن الخطر الحقيقي في البيانات المقبلة، وخاصة تلك المتعلقة بتأثير الرسوم الجمركية على أسعار الواردات، والتي من المتوقع أن تظهر لاحقًا هذا العام”.
وفي أسواق العملات الأخرى، انخفض الدولار الأسترالي إلى 0.6421 دولار أميركي، بينما سجل الدولار النيوزيلندي 0.5961 دولار، وسط استمرار تقلبات السوق العالمية.
ترقب للتطورات التجارية المقبلة
تستمر الأسواق في مراقبة المفاوضات التجارية عن كثب، خاصة مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده ترمب في 9 يوليو لتطبيق حزمة جديدة من الرسوم الجمركية، والتي قد تؤثر بشكل مباشر على سلاسل التوريد العالمية والأسواق المالية.
وتبقى الأنظار موجهة نحو بيانات التضخم المرتقبة، والتي قد تحدد ملامح السياسة النقدية الأميركية للفترة المقبلة، وسط أجواء تزداد فيها الضبابية حول اتجاه الاقتصاد العالمي.
اقرأ أيضًا:
ترامب يشعل فتيل أزمة تجارية جديدة مع أوروبا.. تهديدات جمركية وتحذيرات متبادلة