في الأول من مارس عام 1954، تسمم 23 فردًا من طاقم “التنين المحظوظ” بالإشعاعات عندما تساقطت غبار التجربة النووية “كاسل برافو” على سفينتهم، التي كانت تطفو على بُعد حوالي 80 ميلًا من موقع التفجير في جزيرة بيكيني أتول.

منذ انطلاق رحلتها عام 1954، واجهت سفينة “التنين المحظوظ” أوقاتًا عصيبة. ولهذا سنقوم بسرد قصة الطاقم التعيس أو “التنين المحظوظ” كما يُطلق عليها.

طاقم “التنين المحظوظ”

فبعد انطلاقها في يناير، واجه طاقم سفينة الصيد اليابانية الصغيرة عطلًا في المحرك وصيدًا قليلًا، حتى أنهم فقدوا نصف خيوط صيدهم بسبب الشعاب المرجانية. ثم في الأول من مارس، ازدادت الأمور سوءًا.

وكانت “التنين المحظوظ” تصطاد سمك التونة بالقرب من جزر مارشال عندما وقعت السفينة في غبار التجربة النووية القوية “كاسل برافو”.

وعلى الرغم من أن السفينة لم تتلقَّ تحذيرًا بشأن انفجار نووي محتمل في الأول من مارس، إلا أنها كانت على بُعد 86 ميلًا من موقع التجربة، وبالتالي خارج منطقة الخطر المُعلنة رسميًا.

ومع ذلك، كانت قوة اختبار قلعة برافو ضعف ما كان متوقعًا، وانفجرت انفجارًا مدويًا أقوى بألف مرة من القنبلة التي أُلقيت على هيروشيما.

طاقم السفينة: السرطان وتليف الكبد

عاد طاقم سفينة “التنين المحظوظ” إلى اليابان في حالة صحية متدهورة، ونشرت قصتهم الخوف في جميع أنحاء العالم بشأن التجارب النووية الأمريكية. توفي كوبوياما أيكيتشي، فني الراديو على متن السفينة، بعد عدة أشهر، وتوفي العديد من الرجال الآخرين على متنها بسبب السرطان وتليف الكبد في السنوات التالية.

كما تركت قصة سفينة “التنين المحظوظ” أثرًا دائمًا على العالم بطريقة غير متوقعة: فقد ألهمت كاتب السيناريو إيشيرو هوندا في كتابة فيلم “غودزيلا”.

سوء حظ سفينة “التنين المحظوظ”

بعد انطلاقها في 22 يناير 1954، واجه طاقم قارب الصيد الياباني، المكون من 23 فردًا، العديد من المشاكل. مرض قبطان السفينة الأصلي، وعانت السفينة من مشاكل مستمرة في المحرك، وفقد الطاقم نصف خيوط الصيد بسبب الشعاب المرجانية. علاوة على ذلك، بعد أكثر من شهر في البحر، لم يصطد الصيادون أي سمكة تونة تقريبًا.

بعد خمسة أسابيع من الرحلة، قرر الطاقم الصيد في المياه الواقعة شرق جزر مارشال. كان ذلك ملاذهم الأخير. كان الرجال يعلمون أن الولايات المتحدة تُجري أحيانًا تجارب ذرية في المنطقة، مع أنهم كانوا قلقين، بحسب التقارير، على سلامة الأمريكيين أكثر من قلقهم على صحتهم.

مع ذلك، فاتت السفينة أيضًا تحذيرًا من مجلس السلامة البحرية الياباني بشأن احتمال إجراء تجربة ذرية في المنطقة في الأول من مارس، وفقًا لكتاب ديفيد هالبرستام “الخمسينيات”.

دون علم طاقم “لاكي دراغون” – والعالم – كانت أمريكا تستعد بهدوء لواحدة من أكبر تجاربها النووية حتى الآن. كان الجيش يستعد لتفجير قنبلة هيدروجينية ستُعرف لاحقًا بأنها أقوى قنبلة نووية فجّرتها أمريكا على الإطلاق.

الانفجار القوي من تجربة كاسل برافو

أُجريت تجربة كاسل برافو في الساعة 6:45 صباحًا يوم 1 مارس 1954. اعتقد العلماء المشاركون أن قوة القنبلة الهيدروجينية ستكون سبعة ميغا طن. لكن في الواقع، كانت قوتها أكثر من ضعف قوتها. بقوة 15 ميغا طن، كانت القنبلة الهيدروجينية في تجربة كاسل برافو أقوى بألف مرة من القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما.

على متن سفينة “لاكي دراغون”، كان أحد أفراد الطاقم على سطح السفينة وقت التفجير. ولدهشته، رأى السماء تُشرق، ثم بدأت تتحول إلى لون برتقالي مُشتعل. أيقظ الرجل زملاءه، فصرخ أحدهم: “إنه بيكا-دون!”. كانت هذه كلمة جديدة، مستمدة من رعب هيروشيما، وتعني “الرعد والوميض”.

“فجأةً، أحاط ضوءٌ ساطعٌ بالقارب. فجرٌ مبكرٌ كهذا أمرٌ مستحيل. يُشعر بشيءٍ خطيرٍ للغاية”، سجّل يوشيو ماساكي، ربّان صيد السفينة، في سجلّه، وفقًا لتقريرٍ نُشر عام ٢٠١٨ في نشرة علماء الذرة. “بعد تسع دقائق، وصل صوتٌ هديرٌ أشبه بانهياراتٍ جليديةٍ متداخلة. بانغ، بانغ، بانغ، بانغ – صوتٌ مُريعٌ كأنّ جزر مارشال تغرق كأمواجٍ هائجةٍ في البحر.”

تشقّق الهواء، وارتجف المحيط، ورأى طاقم سفينة “لاكي دراغون” سحابةً ضخمةً على شكل فطرٍ تتفتح في سماء الصباح.

على الرغم من أن سفينة “لاكي دراغون” كانت على بُعد حوالي 86 ميلاً من موقع الاختبار، وبالتالي خارج منطقة التحذير الرسمية، إلا أن تداعيات “كاسل برافو” امتدت أبعد بكثير مما كان متوقعاً. بعد ساعتين من الانفجار، بدأت “الرمال البيضاء” تتساقط على الطاقم، وسرعان ما مرض الرجال. تألمت أجسادهم، وفقدوا شهيتهم، واسودّت بشرتهم، وأصيبوا بالحمى، وظهرت تقرحات في أصابعهم وأعناقهم، نتيجة تعرضهم للرماد المشع.

وبحلول الوقت الذي عادت فيه سفينة “لاكي دراغون” إلى اليابان في 14 مارس، كان الطاقم أكثر مرضاً. تساقط شعرهم، وأصيبوا بالصداع، ونزيف اللثة، وحروق الجلد. نُقل الصيادون بسرعة إلى المستشفى، حيث شُخّصوا، كما ذكرت الصحافة، بـ”مرض القنبلة الذرية”.

وكتب كوبوياما أيكيتشي، عامل الراديو في السفينة، في مذكراته: “منذ ذلك اليوم فصاعداً، بدأ التعاسة في عائلتنا”.

اقرأ أيضًا

ترامب: غزة « مكان بغيض».. ويجب أن تتحول إلى منطقة حرية

مصير طاقم سفينة “التنين المحظوظ” – وأثرهم على العالم

في اليابان، قوبلت قصة سفينة “التنين المحظوظ” بغضب وخوف. كان الرجال على متنها بعيدين عن موقع الانفجار، ومع ذلك أصيبوا بالغثيان مما أسماه اليابانيون “شي نو هاي”، أو “رماد الموت”. وسرعان ما ظهرت كلمة جديدة لوصف ما عاناه الصيادون: التساقط النووي.

والأهم من ذلك، أن سفينة “التنين المحظوظ” نقلت أكثر من مجرد رجال ملوثين نوويًا إلى الشواطئ اليابانية. فقد أثبتت الاختبارات التي أُجريت على أسماك التونة على متن السفينة أن الأسماك ملوثة أيضًا. حاولت هيئة الطاقة الذرية الأمريكية (AEC) التقليل من شأن الخطر، لكن شركات الأغذية حول العالم رفضت شراء الأسماك اليابانية عقب الحادث.

في الواقع، مع تصاعد الغضب تجاه الولايات المتحدة، رفض بعض صانعي السياسات الأمريكيين تصديق أن طاقم “التنين المحظوظ” كان مريضًا حقًا. أخبر لويس شتراوس، رئيس لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، الرئيس دوايت د. أيزنهاور أن الصيادين كانوا جزءًا من مؤامرة سوفيتية لإحراج الولايات المتحدة. ووافقه جيمس هاجرتي، السكرتير الصحفي للرئيس، سرًا.

كتب هاجرتي في مذكراته: “يشتبه لويس شتراوس وآخرون في أن هذا القارب كان تابعًا لجهاز المخابرات السوفيتية. نشتبه في أنه جزء من نظام تجسس روسي، لكننا لا نريد الإفصاح عن ذلك علنًا… قصة مثيرة للاهتمام ونأمل أن تُكشف يومًا ما”.

أما في اليابان، فكان مصير طاقم سفينة “لاكي دراغون” حقيقيًا للغاية. خيم الصمت على الأمة بأكملها تقريبًا بينما بدأ أيكيتشي، فني الراديو على متن السفينة والبالغ من العمر 40 عامًا، يموت من مرض الإشعاع المؤلم.

صرخ قائلًا: “أشعر وكأن جسدي يحترق بالكهرباء. لا بد أن هناك سلكًا كهربائيًا عالي التوتر تحت جسدي”.

عندما توفي أيكيتشي في 23 سبتمبر، زعمت السلطات الأمريكية في اليابان أنه توفي بسبب التهاب الكبد. كما ذكرت مجلة تايم في ذلك الوقت: “بعض الأطباء، مشيرين إلى مرض كبد أيكيتشي، شككوا فيما إذا كان الإشعاع هو سبب الوفاة”، مع أن المجلة أقرت بأن السبب الرسمي لوفاته هو “مرض الإشعاع”.

في اليابان، أثارت حادثة سفينة التنين المحظوظ حركة واسعة النطاق مناهضة للطاقة النووية. ولكن ربما كان تأثيرها الأبرز على الثقافة الشعبية. بدأ كاتب السيناريو إيشيرو هوندا كتابة فيلم وحش عندما سمع عن التنين المحظوظ، وقرر تضمين سماته في فيلمه: غودزيلا الأصلي.

“أدعو الله”، يقول عامل راديو في النسخة الأمريكية من الفيلم بينما يدمر الوحش المشع طوكيو، “دعاءً للعالم أجمع”.