عادت خلال هذه الأيام إلى الأذهان هواجس الحرب النووية، لا باعتبارها مجرد احتمال بعيد، بل كخطر داهم يمكن أن يتحقق، خاصة في خضم التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، ومع استمرار الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، يحذر خبراء وساسة من احتمالية وقوع كارثة كبرى في الشرق الأوسط قد تضاهي كارثة تشيرنوبل، خصوصًا إذا استهدفت هذه الضربات المنشآت النووية المحصنة تحت الأرض. وفي ظل إصرار تل أبيب المعلن على القضاء نهائيًا على البرنامج النووي الإيراني.
الحرب النووية ونهاية العالم في عيون السينما
في هذا السياق، فقد سلطت بالفعل السينما العالمية الضوء على الكابوس النووي الذي شغل خيال البشرية لعقود، خاصة في ظل أجواء الحرب الباردة خلال القرن العشرين. فعبر عدسة الفن السابع، حاول العديد من المخرجين رسم ملامح عالم ما بعد الفناء النووي، محذرين من هشاشة الحضارة الحديثة أمام الجنون السياسي والعسكري.

وفي زمن لا تزال فيه الترسانات النووية قائمة، تستحضر هذه الأفلام الرعب النووي في حالة نشوب الحرب النووية، لا لتسلية الجماهير، بل لدق ناقوس الخطر. هي ليست فقط أفلامًا عن الحرب، بل مرآة تعكس خوف الإنسان من فنائه الذاتي، وتبرهن على قدرة السينما على صوغ المخاوف الجمعية في صور تهز الضمير والوجدان.
فيما يلي أبرز الأعمال السينمائية التي تناولت الحرب النووية:
-
دكتور سترينغلوف (Dr. Strangelove) – 1964
إخراج: ستانلي كوبريك
بأسلوب ساخر وكوميديا سوداء، صوّر الفيلم عبثية سباق التسلح النووي والدمار المتبادل بين القوتين العظميين. برؤية بصرية متميزة وزوايا تصوير تجسّد هشاشة الإنسان، قدم كوبريك عملًا خالداً رشّح لأربع جوائز أوسكار، وصُنف ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما.
-
الفشل الآمن (Fail Safe) – 1964
إخراج: سيدني لوميت
تناول الفيلم سيناريو مخيفًا يبدأ بخلل تقني يقود إلى هجوم نووي غير مقصود. أدّى هنري فوندا دور الرئيس الأميركي الذي يجد نفسه أمام قرارات مصيرية تنذر بنهاية العالم. بفلسفة واقعية جادة، طرح الفيلم سؤالاً جوهريًا حول من يملك سلطة إنهاء العالم.
-
لعبة الحرب (The War Game) – 1966
إخراج: بيتر واتكينز
منعته BBC من العرض لمدة 19 عامًا بسبب واقعيته المرعبة، لكنه فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي. صوّر العمل، خلال 48 دقيقة فقط، تداعيات قصف نووي على بلدة بريطانية، كاشفًا عجز الدفاع المدني وخداع الروايات الرسمية.
-
اليوم التالي (The Day After) – 1983
إخراج: نيكولاس ماير
بلغ عدد مشاهديه أكثر من 100 مليون شخص، وهو من أبرز الأفلام التي أثارت جدلاً سياسيًا في الولايات المتحدة. جسّد معاناة المواطنين بعد الحرب النووية، من إشعاع ومجاعة وانهيار الخدمات، ما جعل منه مرجعًا سينمائيًا في تصوير الكارثة.
-
خيوط (Threads) – 1984
إخراج: ميك جاكسون
فيلم بريطاني شديد الواقعية، عرض تداعيات الحرب من وجهة نظر الناس العاديين، لا من منظور العسكريين. فاز بـ4 جوائز “بافتا”، ولاقى استحسان النقاد لجرأته وصدقه في تجسيد ما بعد الضربة النووية.
اقرأ أيضًا:
نتفليكس تكشف تفاصيل الموسم الأخير من Stranger Things.. النهاية المرتقبة في ثلاث مراحل
-
ميراكل مايل (Miracle Mile) – 1988
إخراج: ستيف دي جارنات
يحكي عن شاب يكتشف بالصدفة أن هجومًا نوويًا على وشك الحدوث خلال ساعة. يعكس الفيلم سباق الزمن لإنقاذ الأحبة بدلاً من إنقاذ العالم، متسائلًا: ما الذي يهم في اللحظة الأخيرة؟ يتشابك فيه الرعب النووي مع الرومانسية الوجودية.
-
عندما تهب الرياح (When the Wind Blows) – 1986
إخراج: جيمي تي. موراكامي
فيلم رسوم متحركة مؤلم، يحكي قصة زوجين مسنين يحاولان اتباع تعليمات الحكومة استعدادًا للكارثة، لكن سذاجتهما تؤدي إلى مصير محتوم. جمع بين الرسم اليدوي وتقنية إيقاف الحركة، ورافقه شريط موسيقي مميز بأغانٍ مناهضة للحرب.
نهاية العالم بين الواقع والفن: تحذير مبكر
في الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط واحتمال نشوب الحرب النووية، تذكرنا هذه الأفلام بأن الفناء النووي ليس مجرد فرضية سينمائية، بل حقيقة يمكن أن تخرج من الشاشة إلى الواقع. ورغم مرور عقود على إنتاج معظم هذه الأعمال، إلا أن رسائلها لا تزال حية، تؤكد أن “الزر الأحمر” لا يهدد العدو فقط، بل يهدد الجميع.

وفي ظل المشهد الدولي المتوتر، تُطرح السينما من جديد كمنصة تحذير لا تقل أهمية عن تقارير المخابرات وتحليلات مراكز الأبحاث. إنها فن مقاوم للنسيان، يدعو للتأمل… وربما للنجاة من مخاطر الحرب النووية.