أعلن علماء من معهد الكيمياء العضوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عن تطوير طريقة مبتكرة تعتمد على التركيب الكهروكيميائي للحصول على مركبات كيميائية جديدة ذات خصائص فريدة، هذه المركبات، التي تُعرف بـ”الجزيئات الميزيوينة المتعادلة كهربائيًا”، تُعد إنجازًا علميًا كبيرًا قد يُستخدم في مجالات متعددة، منها صناعة وقود المركبات الفضائية والتعدين، بالإضافة إلى تطبيقات في إنتاج مواد ضوئية متقدمة.

استخدام التيار الكهربائي كمؤكسد صديق للبيئة
لأول مرة، استخدم الباحثون التيار الكهربائي كمؤكسد بيئي بديل عن المواد الكيميائية التقليدية، وتُمثل هذه الخطوة تطورًا مهمًا نحو تقنيات كيميائية أكثر أمانًا واستدامة، حيث يمكن تقليل التأثيرات البيئية السلبية المرتبطة بالإنتاج الكيميائي.
ويؤكد العلماء أن هذه الطريقة تتيح التحكم الدقيق في التفاعلات الكيميائية، ما يسمح بتكوين بنى جزيئية معقدة وصعبة التحضير عبر الطرق التقليدية، وتُعرف هذه البنى باسم “الحلقات النيتروجينية غير المتجانسة”، وهي مركبات تحتوي على دورة مغلقة تتضمن ذرتي نيتروجين أو أكثر، وتتميز بتنوع خصائصها الفيزيائية والكيميائية.
اكتشاف 25 بنية كيميائية جديدة
ووفقًا للبروفيسور ليونيد فيرشتات، مدير مختبر المركبات المحتوية على النيتروجين في المعهد، فإن هذا البحث سمح بتحديد وتكوين سلسلة من 25 بنية كيميائية جديدة تنتمي إلى هذا النوع من الجزيئات، وأوضح أن هذه المركبات تُعد من المواد النادرة التي تحتوي على شحنات موجبة وسالبة داخل الجزيء نفسه، لكنها في الوقت ذاته متعادلة كهربائيًا، وهي خاصية نادرة ومثيرة للاهتمام من الناحية الكيميائية والتطبيقية.
وأشار فيرشتات إلى أن ما كان يُعرف سابقًا عن هذا النوع من المركبات لا يتجاوز ثلاث حالات موصوفة في دراسات قديمة، وكان هناك شكوك كبيرة حول مدى وجودها الحقيقي وطريقة تحضيرها، أما الآن، فقد تم التوصل إلى طريقة عامة وفعالة لإنتاجها.
مقاومة حرارية عالية وخصائص وقودية واعدة
من أبرز ما توصل إليه الفريق البحثي هو أن هذه المركبات الجديدة تُظهر مقاومة حرارية متميزة، حيث تبدأ بالتحلل فقط عند درجات حرارة تتجاوز +270 درجة مئوية، وهذا يجعلها خيارًا مناسبًا للاستخدام في البيئات القاسية مثل تلك الموجودة في الفضاء أو داخل المحركات عالية الكفاءة.
وبفضل هذه الخصائص، من المتوقع أن تُستخدم المركبات الجديدة كمكونات فعالة في وقود الطيران، وخاصة في إطلاق المركبات الفضائية الصغيرة مثل الأقمار الصناعية، مسابير البحث، وأنظمة الملاحة الفضائية إلى المدار الأرضي القريب.
اقرأ أيضًا
واتساب يختبر ميزة “المساعدة في الكتابة” بالذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة المستخدمين
تطبيقات مستقبلية في التعدين وتقنيات الإضاءة
إلى جانب التطبيقات الفضائية، يرى الباحثون أن هذه المركبات قد تكون ذات قيمة كبيرة في مجالات أخرى، منها صناعة التعدين، حيث يمكن استخدامها لاستخلاص المعادن النادرة من الخامات المعقدة بطرق أكثر كفاءة، كما أن خصائصها الكيميائية الفريدة قد تتيح استخدامها في تصنيع مواد ضوئية متطورة تدخل في تقنيات الإضاءة والاتصالات والليزر.
آفاق واعدة نحو طاقة نظيفة وتقنيات مستدامة
يمثل هذا الاكتشاف خطوة كبيرة في طريق تطوير وقود أكثر نظافة وأمانًا، مما يساهم في تقليل الأثر البيئي للصناعات الثقيلة والفضائية، كما أنه يعزز من قدرات العلماء على تصميم جزيئات مخصصة لأغراض صناعية دقيقة، مما قد يؤدي إلى ثورة في كيفية إنتاج المواد الكيميائية المستقبلية.
ويأمل الفريق الروسي أن يُسهم هذا التقدم في تعزيز الاستقلال التقني لروسيا في مجالات حيوية، وفتح الباب أمام المزيد من الابتكارات في الكيمياء التطبيقية والتكنولوجيا المتقدمة.