عثر عمال المرافق العامة في بيرو على مومياء عمرها ألف عام خلال تنفيذهم أعمال حفر لخط أنابيب غاز طبيعي في العاصمة ليما، في اكتشاف أثري مفاجئ يُضاف إلى سلسلة طويلة من الاكتشافات التي تعكس ثراء التراث الثقافي للمنطقة.
وأثناء شق خنادق لتوسيع شبكة الغاز الطبيعي، لم يكن العمال يتوقعون أن تقع أعينهم على مومياء محفوظة على عمق لا يتجاوز 20 بوصة تحت سطح الأرض.
وكانت الجثة تعود لصبي يتراوح عمره بين 10 و15 عامًا، وُجدت في وضعية الجلوس، مغطاة بكفن، وذراعاها وساقاه مثنيتان، في حين ظل شعره البني الداكن محفوظًا بصورة مدهشة رغم مرور قرون طويلة على وفاته.
اكتشاف مومياء عمرها 1000 عام
وفقًا لعالم الآثار في شركة “كاليدا” للغاز، خوسيه ألياغا، فقد تم العثور على المومياء قبل أسبوعين فقط، وقد أثار الاكتشاف اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأثرية، لا سيما أن الجثة كانت محفوظة بشكل جيد في تربة غير عميقة داخل منطقة مأهولة.
وبحسب تقييم الخبراء، فإن أسلوب الدفن والقطع الأثرية المصاحبة يشيران إلى أن المومياء تنتمي إلى الفترة الواقعة بين عامي 1000 و1200 ميلاديًا، ما يجعلها تنتمي إلى ما قبل عهد حضارة الإنكا.
وصرح عالم الآثار في “كاليدا”، خيسوس باهاموندي، أن هذه الطريقة في الدفن تتوافق مع ممارسات ثقافة “تشانكاي”، وهي إحدى الحضارات التي ازدهرت في منطقة الساحل المركزي لبيرو في الحقبة السابقة لعصر الإنكا، وتحديدًا بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين.
وقد تم العثور على المومياء بالقرب من جذع شجرة “هورانغو”، والتي كان يُعتمد عليها كعلامة جنائزية تشير إلى مواقع الدفن لدى شعوب ما قبل الإنكا.
كما عُثر بجانب المومياء على مجموعة كبيرة من القطع الأثرية، تضمنت الكفن الذي لُفّت به الجثة، وقرع القرع المجوف، بالإضافة إلى أطباق خزفية وقوارير وأباريق مزينة بزخارف هندسية ورسومات بشرية، بينها مشاهد لصيادين، ما يُضفي على الموقع دلالات ثقافية مهمة.
أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الاكتشافات الأثرية في بيرو
ويُعَدّ هذا الاكتشاف أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الاكتشافات الأثرية في بيرو، التي كانت موطنًا لعدد من الحضارات المتعاقبة على مدى آلاف السنين قبل وصول الاستعمار الإسباني في القرن السادس عشر.
فقد أظهرت الحفريات الأخيرة أن العاصمة ليما وحدها تضم أكثر من 400 موقع أثري، فيما تشير تقديرات شركة “كاليدا” إلى أنها ساهمت في أكثر من 2200 اكتشاف أثري منذ عام 2004.
وبيّن بيتر فان دالين، عميد كلية علماء الآثار في بيرو، أن العثور على مقابر ومدافن ومومياوات في ليما ليس أمرًا نادرًا، بل يُعد شائعًا نسبيًا، لا سيما على الساحل البيروفي الذي يحفل ببقايا تاريخية غنية، خصوصًا من حيث الطقوس الجنائزية.
ويُذكر أن السنوات الأخيرة شهدت عدة اكتشافات مماثلة، من بينها مومياء عمرها 3000 عام وُجدت بجوار سلة مهملات في ملعب كرة قدم عام 2023، ومومياء أخرى وُجدت عام 2021 في وضعية الجلوس ويداها تغطيان وجهها، مربوطة بحبل، ويُقدّر عمرها بـ800 عام على الأقل.
إقرأ أيضًا:
«لغز رجل الشيدر» أقدم هيكل عظمي كامل تم العثور عليه في بريطانيا

أشهر المومياوات المكتشفة في بيرو “مومياء خوانيتا”
ومن أشهر المومياوات المكتشفة في بيرو “مومياء خوانيتا”، التي تُعد واحدة من أفضل المومياوات حفظًا في العالم، حيث لا يزال جلدها وشعرها سليمين تقريبًا.
ويعتقد علماء الآثار أن الظروف البيئية، وخاصة في الصحارى الجافة، تساهم في تحنيط طبيعي للجثث، بينما تُظهر مومياوات أخرى دلالات على طقوس دفن مُتقنة تهدف للحفاظ على الجسد بعد الموت، كالوضعية الجالسة وتغطية الوجه بالأيدي.
ورغم أن المومياء الجديدة تعود إلى أكثر من ألف عام مضت، فإن ما يُثير الدهشة هو أنها ظلت مدفونة دون أن يُكتشف أمرها حتى اليوم، في منطقة تشهد نشاطًا عمرانيًا متسارعًا.
ويؤكد الخبراء أن مثل هذه الاكتشافات الأثرية ستستمر في الظهور مع التوسع العمراني في ليما، في إشارة إلى الكنوز التاريخية التي لا تزال حبيسة الأرض في هذه المدينة العريقة.