في ظل تسارع الأحداث الإقليمية والضغوط الدولية، تتزايد المؤشرات على اقتراب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وسط جهود يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يبدو عازمًا على إنهاء النزاع من بوابة الدبلوماسية والرهائن، بعد تدخل مباشر في الملف الإيراني.
بحسب المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس، فإن موقف الإدارة الأميركية يتقاطع حاليًا مع رؤية الجيش الإسرائيلي، الذي يرى أن العملية العسكرية في قطاع غزة قد اقتربت من تحقيق أهدافها. ومع ذلك، يشير هرئيل إلى أن القرار الحاسم بشأن المصير السياسي للعملية، ومسار المفاوضات، بات يُدار بشكل مباشر بين ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مع تراجع واضح لدور القيادات العسكرية الإسرائيلية في صناعة القرار.
الهجوم على إيران كورقة ضغط
ويلفت هرئيل إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على منشأة فوردو النووية في إيران، الذي جرى بمشاركة أميركية مباشرة، لم يكن مجرد خطوة عسكرية منعزلة، بل ورقة استراتيجية دفعت بها واشنطن للضغط على حماس وتل أبيب للقبول بصفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة. ووفقًا للمحلل، فإن ترامب رأى في تلك الضربة “فرصة لإعادة تشكيل ملامح الشرق الأوسط”.
وفي تصريحات له خلال عطلة نهاية الأسبوع، نقل هرئيل عن ترامب قوله إن “الوضع كارثي، لكننا نعتقد أن وقف إطلاق النار سيتم خلال الأسبوع المقبل. نظريًا لسنا طرفًا، لكن في الواقع نحن متورطون لأن الناس يموتون”. ثم جاء التصريح الأحدث للرئيس الأميركي فجر الأحد، والذي نقلته وكالة “رويترز”، داعيًا فيه بشكل صريح: “أنجزوا الاتفاق بشأن غزة واستعيدوا الرهائن”.
ترامب يتدخل سياسيًا وقضائيًا
ويبرز هرئيل سلوكًا غير معتاد من الإدارة الأميركية، إذ تدخل ترامب مؤخرًا بشكل مباشر في الشأن الداخلي الإسرائيلي، ودعا صراحة إلى وقف محاكمة نتنياهو، واصفًا إياه بأنه “أنقذ إسرائيل”، مشيرًا إلى أن مثل هذا التدخل يُظهر مدى التداخل بين الملفات العسكرية، السياسية، والعدلية في تعاطي ترامب مع الأزمة الإسرائيلية.
الجيش يفضل التهدئة ويحث على صفقة
على الصعيد العسكري، ينقل التقرير عن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، إيال زامير، إعلانه خلال جولة في غزة أن “الجيش بات قريبًا من بلوغ الأهداف المحددة للمرحلة الحالية”، معتبرًا أن الضربة لإيران قد تساعد في تسريع تحقيق أهداف العملية في غزة أيضًا. وأضاف زامير أن “الجيش يقترب من الخطوط التي حددها سلفًا”.
ويرى هرئيل أن هذه التصريحات تمثل تحوّلًا في موقف القيادات العسكرية، حيث بات يُنظر إلى صفقة تبادل أسرى، وإنهاء العملية بسرعة، على أنها الخيار الأمثل، في ظل تراجع الجدوى الميدانية للعمليات المستمرة مثل الهدم، القصف الموضعي، واستهداف البنى التحتية والخلايا الصغيرة.
اقرأ أيضًا:
تأجيل جزئي لمحاكمة نتنياهو في قضايا الفساد
نجاح في إيران.. ولكن غزة مختلفة
ورغم أن الهجوم على إيران لا يرتبط ميدانيًا بغزة، يشير هرئيل إلى أن الجيش يوظف “النجاح في إيران” كرافعة للضغط على صناع القرار السياسي للدفع نحو صفقة الرهائن، خصوصًا أن زامير نفسه يُنسب له الفضل في دفع الحكومة نحو الهجوم على فوردو، ويحظى بقبول واسع داخل المؤسسة العسكرية.

المستوطنون.. قنبلة موقوتة في الضفة الغربية
لكن، وبموازاة الدفع نحو اتفاق في غزة، يحذر التقرير من تصعيد محتمل في الضفة الغربية، قد يعرقل المساعي الجارية. ويذكر هرئيل وقوع “مجزرة خطيرة” في قرية المغير قرب رام الله، نفذها مستوطنون، أدت إلى اشتباكات مباشرة مع قوات الجيش الإسرائيلي، وسط إدانات شكلية من نتنياهو، زامير، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ويشير المحلل إلى المفارقة السياسية، حيث إن بعض المتورطين في هذه الهجمات ينتمون إلى “شبيبة التلال”، وهي مجموعات عنف استيطانية تحظى بغطاء سياسي ضمن الائتلاف الحكومي، بل إن وزير الدفاع نفسه سبق أن أوقف أوامر اعتقال إداري ضد عناصر هذه الجماعات.
ويرى هرئيل أن هذه الجماعات قد تسعى لإشعال الوضع في الضفة في حال تم التوصل لاتفاق مع حماس، بهدف نسف أي تهدئة محتملة.
قرار الحرب والسلام بيد ترامب ونتنياهو

وفي ختام تقريره، يؤكد هرئيل أن كافة خيوط المفاوضات، من غزة إلى إيران، تمر حاليًا بين يدي ترامب ونتنياهو، في ظل تراجع دور “المستوى المهني” في إسرائيل، واختزال القرار السياسي في تفاهمات سرية بين الحليفين. ويعتبر أن أي انفراجة حقيقية في الملف الإنساني والأمني داخل قطاع غزة لن تحدث بدون تدخل مباشر وقوي من البيت الأبيض، مدعومًا بضغط عسكري وسياسي متزامن.